لقد انتهت سفرتهم البحرية وترجلوا مِن السفينة: ( فانطلقا حتى إِذا لقيا غلاماً فقتله ) ،وقد تمَّ ذلك بدون أي مقدمات !
وهنا ثار موسى( عليه السلام ) مرّة أُخرى حيث لم يستطع السكوت على قتل طفل بريء بدون أي سبب ،وظهرت آثار الغضب على وجههِ وملأَ الحزن وعدم الرضا عينيه ونسي وعده مرّةً أُخرى ،فقام للاعتراض ،وكان اعتراضه هذه المرَّة أشد مِن اعتراضه في المرّة الأُولى ،لأنَّ الحادثة هذه المرَّة كانت موحشة أكثر من الأُولى ،فقال( عليه السلام ): ( قال أقتلت نفساً زكيةً بغير نفس ) .أي إنّك قتلت إنسانا بريئاً من دون أن يرتكب جريمة قتل ،( لقد جئت شيئاً نكراً ) .
كلمة «غلام » تعني الفتى الحدث ،أي الصبي سواء كان بالغاً أو غير بالغ .وبين المفسّرين ثمّة كلام كثير عن الغلام المقتول ،وفيما إِذا كان بالغاً أم لا ،فالبعض استدل بعبارة ( نفساً زكية ) على أنَّ الفتى لم يكن بالغاً .والبعض الآخر اعتبر عبارة ( بغير نفس ) دليلا على أنَّ الفتى كانَ بالغاً ،ذلك لأنَّ القصاص يجوز بحق البالغ فقط ،ولكن لا يمكن القطع في هذا المجال بالنسبة لنفس الآية .
«نكر » تعني القبيح والمنكر ،وأثرها أقوى مِن كلمة «إِمر » التي وردت في حادثة ثقب السفينة ،والسبب في ذلك واضح ،فالأمر الأوّل قد أوجد الخطر لمجموعة مِن الناس ،إِلاَّ أنّهم تداركوه بسرعة ،لكن ظاهر العمل الثّاني يدل على ارتكاب جريمة .