الآية التالية تتجه أيضاً إلى التخفيف من تعب الصوم وتقول:
( أَيَّاماً مَعْدُودَات ) فالفريضة لا تحتل إِلاّ مساحة صغيرة من أيّام السنة .
ثم تقول ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام أُخَرَ ) ،فالمريض والمسافر معفوان من الصوم ،وعليهما أن يقضيا صومهما في أيّام أخرى .
ثم تصدر الآية عفواً عن الطّاعنين في السنّ ،وعن المرضى الذين لا يرجى شفاؤهم ،وترفع عنهم فريضة الصوم ليدفعوا بدلها كفارة ،فتقول: ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين ) . ({[243]} )
ثم يقول الآية ( فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ )({[244]} )أي من تطوع للإِطعام أكثر من ذلك فهو خيرٌ له .
وأخيراً تبين الآية حقيقة هي: ( وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) .
استدل بعض بهذه الآية على أن الصوم كان في بداية التشريع واجباً تخييرياً ،وكان المسلمون مخيرين بين الصوم والفدية ،ثم نسخ هذا الحكم بعد أن تعوّد المسلمون على الصوم وأصبح واجباً عينيّاً ،ولكن ظاهر الآية يدلّ على تأكيد آخر على فلسفة الصوم ،وعلى أن هذه العبادةكسائر العباداتلا تزيد الله عظمة أو جلالا ،بل تعود كل فوائدها على النّاس .
الشاهد على ذلك ما جاء في القرآن من تعبير مشابه لذلك ،كقوله سبحانه بعد ذكر وجوب صلاة الجمعة: ( ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُم تَعْلَمُونَ )( الجمعة ،9 ) .
وقوله تعالى: ( وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ )( العنكبوت ،16 ) .
بهذا تبين أن عبارة ( وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) موجهة إلى كل الصائمين لا إلى مجموعة خاصة .
/خ185