آخر آية في بحثنا تتحدث عن زمان الصوم وبعض أحكامه ومعطياته تقول: ( شَهْرُ رَمَضَانَ ) هو الشهر الذي فرض فيه الصيام .
وهو ( الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ،هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَات مِنَ الْهُدى وَالْفُرقَانِ ) ،أي معيار معرفة الحق والباطل .
ثم تؤكد ثانية حكم المسافر والمريض وتقول: ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ،وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام أُخَرَ ){[245]} .
تكرار حكم المسافر والمريض في هذه الآية والآية السابقة ،قد يكون سبب كراهية بعض المسلمين أن لا يصوموا أيام شهر رمضان حتى ولو كانوا مرضى أو مسافرين .والقرآن بهذا التكرار يفهم المسلمين أن الصوم في حالة السلام والحضر حكم إلهي ،والإِفطار في حال السفر والمرض حكم إلهي أيضاً لا تجوز مخالفته .
وفي آخر الآية إشارة أخرى إلى فلسفة تشريع الصوم ،تقول: ( يُريدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُريدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) .فالصوموإن كان على الظاهر نوعاً من التضييق والتحديدمؤدّاه راحة الإِنسان ونفعه على الصعيدين المادي والمعنوي ،( وسيأتي تفصيل ذلك في بحث فلسفة الصوم ) .
ولعل هذه العبارة إشارة إلى أن الأوامر الإِلهية ليست كأوامر الحاكم الظالم ،ففي الصوم رخص حيثما كان فيه مشقة على الصائم ،لذلك رفع تكليف الصومعلى أهميتهعن المريض والمسافر والضعيف .
ثم تقول الآية: ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ) أي يلزم على كل إنسان سليم أن يصوم شهراً ،فذلك ضروري لتربية جسمه ونفسه .لذلك وجب على المريض والمسافر أن يقضي ما فاته من شهر رمضان ليكمل العدّة ،وحتى الحائضالتي أُعفيت من قضاء الصلاةغير معفوّة عن قضاء الصوم .
والعبارة الأخيرة من الآية تقول: ( وَلِتُكَبِّروُا اللهَ عَلى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) لتكبروه على ما وفّر لكم من سبل الهداية ،ولتشكروه على ما أنعم عليكم .
الشكر في الآية مسبوق بكلمة «لَعَلَّ » ،لكن التكبير مؤكد بشكل قاطع غير مسبوق بترجّ .وقد يعود الاختلاف في التعبير إلى أن عبادة ( الصوم ) هي على كل حال تكبير لله وتعظيم له سبحانه ،أما الشكروهو إنفاق النعم في مواضعها والاستفادة من الآثار العملية للصومفله شروط أهمها الإِخلاص التام ،وفهم حقيقة الصوم ،والإطلاع على أبعاده وأعماقه .
/خ185