/م219
ويذكر بدون فصل في الآية التالية المحور الأصلي للتفكّر ويقول ( في الدنيا والآخرة ) .
أجل ،يجب أن تكون جميع نشاطات الإنسان الماديّة والمعنوية في الحياة مشفوعة بالفكر والتدبّر ،ويتّضح من هذه العبارة أمران:
الأوّل: إنّ الإنسان إضافة إلى وجوب التسليم أمام أوامر الله يجب أن يُطيع هذه الأوامر عن تفكّر وتعقّل لا عن إتباع أعمى ،وبعبارة أخرى على الإنسان المؤمن أن يعي أسرار الأحكام وروحها ليس فقط في مجال تحريم الخمر والقمار ،بل في جميع المجالات ولو إجمالاً .
ولا يعني هذا الكلام أنّ إطاعة الأحكام الإلهيّة مشروطة بإدراك فلسفتها وحكمتها ،بل المراد أنّ الإنسان يجب عليه بموازاة الطّاعة العمليّة أن يسعى إلى فهم أسرار وروح الأحكام الإلهيّة .
الثاني: أنّ على الإنسان أن لا يحصر تفكيره في عالم المادّة وحده أو عالم المعنى وحده ،بل عليه أن يفكّر في الاثنين معاً ،لأنّ الدنيا والآخرة مرتبطتان وكلّ خلل في أحدهما يخلُّ بالآخر ،وأساساً لا يُمكن أن يؤدي أحدهما إلى رسم صورة صحيحة عن الواقعيّات في هذا العالم ،لأنّ كلاًّ منهما هو قسم من هذا العالم ،فالدنيا هي القسم الأصغر والآخرة القسم الأعظم ،فمن حصر فكره في أحدهما فإنّه لا يمتلك تفكيراً سليماً عن العالم .
ثمّ تذكر الآية السؤال الرابع وجوابه وتقول: ( ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم ){[329]} .
وعلى هذا الأساس فالقرآن يوصي المسلمين بعدم إهمال اليتامى ،فإنّ الإعراض عن تحمّل مسؤوليتهم وتركهم وشأنهم أمرٌ مذموم ،فالأفضل أن يتقبّلوا المسؤوليّة ويُصلحوا أمر اليتامى وإن اختلطت معيشتهم بمعيشتكم فعاملوهم معاملة الأخ لأخيه ،فلا حرج في الاختلاط الأموال إذا كان الدافع هو الإصلاح .
ثمّ تضيف الآية ( والله يعلم المفسد من المصلح ) أجل ،إنّ الله مطلّع على نيّاتكم ويعلم من يقصد السوء بالاستفادة من أموال اليتامى ليحيف عليهم ومن هو مخلص لهم .
والفقرة الأخيرة من الآية تؤكّد بأنّ الله تعالى قادر على أن يُضيّق ويشدّد عليكم برعاية اليتامى مع فصل أموالهم عن أموالكم ،لكنّ الله لا يفعل ذلك أبداً ،لأنّه عزيز وحكيم ،ولا داعي لأن يُضيّق على عباده ( ولو شاء الله لاََعْنَتكم إنّ الله عزيز حكيم ){[330]} .
/خ220