إلاّ أنّ موسىعلى كل حاللم يجد بُداً كسائر الباحثين الواعين اليقظين ،أن يجيب على فرعون بجدّ ...وحيث أن ذات الله سبحانه بعيدة عن متناول أفكار الناس ،فإنّهُ أخذ يحدثه عن آيات الله في الآفاق وآثاره الحيّة إذْ ( قال ربّ السماوات والأرض وما بينهما إن كنتُمْ موقنين ) .
فالسماوات بما فيهن من عظمة ،والأرض على سعتها ...والموجودات المتعددة بألوانها بحيث لا تساوي أنت وقصرك بإزائها إلاّ ذرّة في مقابل المجرّة !كلّها من خلق ربّي ،فمثل هذا الخالق المدبّر لهذا العالم جدير بالعبادة ،لا الموجود الضعيف التافه مثلك !...
وينبغي الالتفات إلى أن عبدة الأوثان كانوا يعتقدون أنّ لكلّ موجود في هذا العالم ربّاً ،وكانوا يعدّون العالم تركيباً من نُظُم متفرقة ،إلاّ أن كلام موسى( عليه السلام ) يشير إلى أن هذا النظام الواحد المتحكم على هذه المجموعة في عالم الوجود دليل على أن له ربّاً واحداً ...
وجملة ( إن كنتم موقنين ) لعلها إشارةً إلى أنّ موسى( عليه السلام ) يريد أن يفهم فرعون ومن حولهولو تلويحاًأنه يعرف أن الهدف من هذا السؤال ليس إدراك الحقيقة ...لأنّه لو أراد إدراك الحقيقة والبحث عنها لكان استدلاله كافياً ..فكأنّه يقول لهم: افتحوا أعينكم قليلا وتفكروا ساعة في السماوات والأرض بما فيهما من الآثار وعجائب المخلوقات ...لتطلعوا على معالمها وتصححوا نظرتكم نحو الكون !