ومن أجل أن يريهم سليمان موقفه الحاسم من الحق والباطل ،قال لرسول ملكة سبأ الخاص: ( ارجع إليهم فلنأتينّهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنّهم منها أذلَّةً وهم صاغرون ) .
و ( أذلة ) في الحقيقة حال أولى و( هم صاغرون ) حال ثانية ،وهما إشارة إلى أن أُولئك لا يُخرجون من أرضهم فحسب ،بل بالإذلال والإحقار والصغار بشكل يتركون جميع ممتلكاتهم من قصور وأموال وجاه وجلال ...لأنّهم لم يذعنواويُسلمواللحق ...وإنّما قصدوا الخداع والمكر !
وطبيعي أن هذا التهديد كان تهديداً جديّاً جديراً بأن يؤخذ بنظر الاعتبار بالنسبة لرسل ملكة سبأ الذين كانوا عند سليمان !.
ومع ملاحظة ما قرأناه في الآيات السابقة من أنّ سليمان طلب من أُولئك شيئين: ترك الاستعلاء ،والتسليم للحق ( ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين ) وكان عدم إجابتهم لهذين وتوسلهم بالهديّة دليلا على امتناعهم من قبول الحقّ وترك الاستعلاء ،ولذلك هدّدهم باستخدام القوة العسكرية .
ولو أنّ ملكة سبأ وقومها طلبوا من سليمان الدليل والمعجزة ( على أنّه نبيّ مطاع ) لأعطاهم الحق أن يتحروا ويفحصوا أكثر ...إلاّ أنّ إرسال الهدية ظاهره أنّهم في مقام الإنكار .
واتضح كذلك أنّ أهمّ خبر مزعج أخبر به الهدهد عن هذه الجماعة «ملكة سبأ وقومها » أنّهم كانوا يعبدون الشمس ويسجدون لها من دون الله الذي له ما في السماوات والأرض فكان سليمان( عليه السلام ) قلقاً من هذا الأمر ...ومن المعلوم أن عبادة الأصنام ليست أمراً هيّناً تسكت عنه الأديان السماوية ،أو أن تتحمل عبدة الأصنام على أنّهم أقليّة دينية .بل تستخدم القوّة إذا لزم الأمر وتحطم الأصنام ويطوى الشرك ومريدوه من الوجود !.
وممّا بيّناه من توضيحات آنفاً يظهر أنّه لا تنافي بين تهديدات سليمان والأصل الأساس ( لا إكراه في الدين ) لأنّ عبادة الأصنام ليست ديناً ،بل هي خرافة وانحراف .
/خ37