التّفسير
أمع كلّ هذه الأدلة ما تزالون مشركين ؟!
في آخر آية من آيات البحث السابق ،وبعد ذكر جوانب مثيرة من حياة خمسة أنبياء عظام ،أُلقي هذا السؤال الوجيز المتين ( آللهِ خير أمّا يشركون ) ؟!
أمّا في الآيات محل البحث فتفصّل السؤال ..وتوجه للمشركين خمس آيات تبدأ بخمسة أسئلة ،لتناقش المشركين وتحاكمهم ،وتكشف دلائل التوحيد في الآيات الخمس في اثني عشر مثلا !
فالآية الأُولى من هذه الآيات تتحدث عن خلق السماوات والأرض ،ونزول الماء من السماء والبركات الناشئة عنه ،فتقول: هل أن معبوداتكم أفضل ( أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة{[3008]} ){[3009]} .
«الحدائق » جمع «الحديقة » ،وهي كما يقول كثير من المفسرين: البستان الذي يحيطه الجدار أو الحائط ،ومحفوظ من جميع الجهات ،ومنها سمّيت حدقة العين حدقة لأنّها محفوظة بين الجفنين والهدب ،أمّا الراغب فيقول في المفردات: إنّ الحديقة تطلق في الأصل على الأرض المجتمع فيها الماء ،كما أنّ حدقة العين فيها الماء دائماً .
ويستفاد من مجموع هذين الرأيين أن الحديقة بستان له جدار وماء كاف .
و «البهجة » على وزن ( لهجة ) معناها الجمال وحسن الظاهر الذي يسر الناظرين .
ويتوجه الخطاب نحو العباد في ختام الآية فيقول: ( ما كان لكم أن تنبتوا شجرها ) .
فأنتم تستطيعون أن تنثروا البذور وتسقوا الأرض ،لكن الذي جعل الحياة في قلب البذرة ،وأمر الشمس أن تشرق على الأرض ،والماء ينزل من السماء حتى تنبت البذرة فتكون شجراً ،هو الله فحسب .
فهذه حقائق لا يمكن إنكارها ،ولا أن تنسب لغير الله ...فهو الذي خلق السماوات والأرض ،وهو الذي أنزل الغيث من السماء ،وهو مبدأ هذه البهجة والحسن والجمال في عالم الحياة !.
إن مجرّد التأمل في لون الزهرة الجميلة ،وأوراقها اللطيفة المنظمة التي تشكل حلقةً رائعة ..كاف أن يجعل الإنسان عارفاً بعظمة الخالق وقدرته وحكمته ..فهذه الأُمور تهز قلب الإنسان وتدعوه إلى الله .
وبتعبير آخر فإن التوحيد في الخلق يؤدي إلى «توحيد الخالق » ،والتوحيد في الربوبيّة «توحيد مدبّر هذا العالم » باعث على «توحيد العبادة » !.
ولذلك فالقرآن يقول في نهاية الآية: ( أإله مع الله ) ولكن هؤلاء جهلة عدلوا عن الله وعبدوا ما لا ينفعهم ولا يضرهم ( بل هم قوم يعدلون ){[3010]} .
/خ64