وفي الآية التالية علامة أُخرى أيضاً على حقانية القرآن ،إذ تقول: ( بل هو آيات بيّنات في صدور الذين أوتوا العلم ) .
والتعبير ب«الآيات البينات » كاشف عن هذه الحقيقة وهي أن دلائل حقانية القرآن تتجلى بنفسها عياناً ،وتشرق في أرجائه ،فدليلها معها .
وفي الحقيقة ،إنّها مثل الآيات التكوينية التي تجعل الإنسان يذعن بحقيقتها عند مطالعتها دون حاجة إلى شيء آخر ،هذه الآيات التشريعيةأيضاًمن حيث ظاهرها ومحتواها كذلك ،إذ هي دليل على صدقها .
ثمّ بعد هذا كلّه ،فإنّ أتباع هذه الآيات وطلابها المشدودة قلوبهم إليها هم أولوا العلم والإطلاع ،بالرغم من أن أيديهم خالية وأرجلهم حافية !.
وبتعبير أوضح: إنّ واحداً من طرق معرفة أصالة مذهب ما دراسة حال المؤمنين به ،فإذا كان الجهال المحتالون قد التفوا حول الشخص ،فهو أيضاً من نسيجهم ،ولكن إذا كان من التفّ حول الشخص هم الذين امتلأت صدورهم بأسرار العلوم وهم أوفياء له ،فيكون هذا الأمر دليلا على حقانية ذلك الشخص ،ونحن نرى أن جماعة من علماء أهل الكتاب ،ورجالا متقين أمثال أبي ذر وسلمان والمقداد وعمار بن ياسر ،وشخصية كبيرة كعلي بن أبي طالب( عليه السلام ) ،هم حماة هذا المبدأ .
وفي روايات كثيرة منقولة عن أهل البيت( عليهم السلام ) ،إنّ المراد بالذين أوتوا العلم هم الأئمّة من أهل البيت( عليهم السلام ) وطبعاً ...فليس هذا المعنى منحصراً فيهم ،بل هم المصداق الجلي لهذه الآية{[3181]} .
وإذا ما لاحظنا أن بعض الرّوايات تصرّح أنّ المراد من هذه العبارة المتقدمة هم الأئمّة( عليهم السلام ) ،فإنّ ذلك في الحقيقة إشارة إلى المرحلة الكاملة لعلم القرآن الذي عندهم ،ولا يمنع أن يكون للعلماء ...بل لعامّة الناس الذين لهم نصيب من الفهم ،أن يحظوا بقسط من علوم القرآن أيضاً .
كما أنّ هذه الآية تدلّ ضمناً على أن العلم ليس منحصراً بالكتاب ،أو بما يلقيه الأستاذ على تلاميذه ...لأنّ النّبي( صلى الله عليه وآله )طبقاً لصريح الآيات المتقدمةلم يدرس في مدرسة ولم يكتب من قبل كتاباً ...إلاّ أنّه كان خير مصداق للذين «أوتوا العلم » .
فإذاً فما وراء العلم «الرسمي » الذي نعهده ،علم أوسع وأعظم ،وهو علم يأتي من قبل الله تعالى على شكل نور يقذف في قلب الإنسان ،كما ورد في الحديث «العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء » .وهذا هو جوهر العلم ،أمّا ما سواه فهو الصدف والقشر !
وتُختتم الآية بقوله تعالى: ( وما يجحد بآياتنا إلاّ الظالمون ) ...لأنّ دليلها واضح ،فالنّبي الأميّ الذي لم يقرأ ولم يكتب ،هو الذي جاء بها ...والعلماء المطلعون هم المؤمنون بها .
ثمّ بعد هذا كلّه ،فإنّ الآيات نفسها مجموعة من الآيات البينات «كلمات ذوات محتوى جلي مشرق » .
وقد وردت علائمها في الكتب المتقدمة .
ومع كل هذا ترى هل ينكر هذه الآيات إلاّ الذين ظلموا أنفسهم وظلموا مجتمعهم «ونكرر أن التعبير ب «بالجحد » يكون في مورد ما لو أن الإنسان يعتقد بالشيء وينكره على خلاف ما يعلمه » !.
/خ49