ثمّ يشير إلى التهمة التي طالما وجهها المشركون والمنافقون إلى هذا الكتاب السماوي العظيم حيث قالوا: إنّ هذا الكتاب من تأليف محمّد .وقد ادّعى كذباً بأنّه من الله: ( أم يقولون افتراه ){[3286]} فيقول جواباً على ادّعاء هؤلاء الزائف: ( بل هو الحقّ من ربّك ) وأدلّة أحقّيته واضحة وبيّنة فيه من خلال آياته .
ثمّ يتطرّق إلى الهدف من نزوله ،فيقول: ( لتنذر قوماً ما آتاهم من نذير من قبلك ) .
فبالرغم من أنّ دعوة النّبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) مبشّرة ومنذرة ،وأنّه بشير قبل أن يكون نذيراً ،إلاّ أنّه يجب التأكيد على الإنذار أكثر مع القوم الضالّين المعاندين .
وجملة ( لعلّهم يهتدون ) إشارة إلى أنّ القرآن يهيّء أرضية الهداية ،إلاّ أنّ التصميم واتخاذ القرار النهائي موكول ومرتبط بنفس الإنسان .
وهنا يطرح سؤالان:
1من هم هؤلاء القوم الذين لم يأتهم أي نذير قبل النّبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟
2ألم يقل القرآن الكريم: ( وإنّ من اُمّة إلاّ خلا فيها نذير ){[3287]} .
قال جمع من المفسّرين في جواب السؤال الأوّل: المراد قبيلة قريش التي لم يكن لها نذير قبل نبيّ الإسلام .
وقال البعض الآخر: المراد مرحلة الفترة والفاصلة الزمنية بين نبوّة عيسى ( عليه السلام )وظهور نبي الإسلام ( صلى الله عليه وآله ) .
إلاّ أنّ أيّاً من هذين الجوابين لا يبدو صحيحاً ،لأنّ الأرض لا تبقى خالية من حجّة الله مطلقاً ،وفي كلّ عصر وزمان لابدّ من وجود نبي أو وصي نبيّ لإتمام الحجّة .
بناءً على هذا ،يبدو أنّ المراد من «النذير » هنا النّبي الكبير الذي يوضّح ويبيّن دعوته مقرونة بالمعجزات وفي محيط واسع ،ومعلوم أنّ مثل هذا النذير لم يقم في الجزيرة العربية وبين قبائل مكّة .
وفي الإجابة عن السؤال الثّاني ينبغي أن يقال: إنّ معنى جملة: ( وإنّ من اُمّة إلاّ خلا فيها نذير ) هو أنّ كلّ اُمّة كان لها نذير ،إلاّ أنّه لا يلزم حضوره بنفسه في كلّ مكان ،بل يكفي أن يصل صوت دعوة أنبياء الله العظام بواسطة أوصيائهم إلى أسماع كلّ البشر في العالم .
وهذا يشبه قولنا: إنّ كلّ اُمّة كان لها نبي من أولي العزم ،ولها كتاب سماوي ،فمعنى هذا الكلام أنّ صوت هذا النّبي وكتابه السماوي قد وصل عن طريق وكلائه وأوصيائه لكلّ تلك الاُمّة على طول التاريخ .