التّفسير
الدّعوة العالمية:
الآية الاُولى من هذه الآيات ،تتحدّث في نبوّة الرّسول ( صلى الله عليه وآله ) ،والآيات التي تليها تتحدّث حول الميعاد ،ومع الأخذ بنظر الإعتبار أنّ الآيات السابقة تحدّثت عن التوحيد ،نصبح أمام مجموعة كاملة من بحوث العقائد ،تتناسب مع كون السورة مكية .
أشارت الآيات إبتداءً إلى شمولية دعوة الرّسول ( صلى الله عليه وآله ) وعمومية نبوّته لجميع البشر فقالت: ( وما أرسلناك إلاّ كافّة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) .
«كافّة » من مادّة «كفّ » وتعني الكفّ من يد الإنسان ،وبما أنّ الإنسان يقبض على الأشياء بكفّه تارةً ويدفعها عنه بكفّه تارةً اُخرى ،فلذا تستخدم هذه الكلمة للقبض أحياناً ،وللمنع اُخرى .
وقد احتمل المفسّرون الإحتمالين هنا ،الأوّل بمعنى «الجمع » وفي هذه الحالة يكون مفهوم الآية «إنّنا لم نرسلك إلاّ لجميع الناس » .أي عالمية دعوة الرّسول ( صلى الله عليه وآله ) .ويقوّي هذا المعنى روايات عديدة وردت في تفسير الآية من طرق الفريقين .
وعليه فمحتوى الآية شبيه بالآية{[3500]} سورة الفرقان ( تبارك الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ) .وكذلك الآية ( 19 ) من سورة الأنعام ( واُوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ) .
جاء في حديث عن ابن عبّاس ينقله المفسّرون بمناسبة هذه الآية ،أنّ عمومية دعوة الرّسول ( صلى الله عليه وآله ) ذكرت كواحدة من مفاخره العظيمة .
فعنه ( صلى الله عليه وآله ) يقول: «اُعطيت خمساً ولا أقول فخراً ،بعثت إلى الأحمر والأسود ،وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً ،واُحلّ لي المغنم ولا يحلّ لأحد قبلي ،ونصرت بالرعب فهو يسير أمامي مسيرة شهر ،واُعطيت الشفاعة فادّخرتها لاُمّتي يوم القيامة »{[3501]} .
وإن كان لم يرد في الحديث أعلاه تصريح بتفسير الآية ،فثمّة أحاديث اُخرى بهذا الخصوص ،إمّا أن تصرّح بأنّها في تفسير الآية ،أو يرد فيها تعبير «للناس كافّة » الذي ورد في نفس الآية{[3502]} .وجميعها تدلّل على أنّ مقصود الآية أعلاه ،هو عالمية دعوة الرّسول ( صلى الله عليه وآله ) .
وذُكر للآية تفسير آخر مأخوذ من المعنى الثّاني لكلمة «كفّ » وهو ( المنع ) ،وطبقاً لهذا التّفسير تكون «كافّة » صفة للرسول ( صلى الله عليه وآله ){[3503]} ويكون المقصود أنّ الله سبحانه وتعالى أرسل الرّسول ( صلى الله عليه وآله ) كمانع ورادع وكافّ للناس عن الكفر والمعصية والذنوب ،ولكن يبدو أنّ التّفسير الأوّل أقرب .
على كلّ حالكما أنّ لكلّ الناس غريزة جلب النفع ودفع الضررفقد كان للرسل أيضاً مقام «البشارة » و «الإنذار » .لكي يوظّفوا هاتين الغريزتين ويحرّكوهما ،ولكن أكثر المغفّلين الجهّالبدون الإلتفات إلى مصيرهمينهضون للوقوف في وجههم ويتنكّرون تلك المواهب الإلهية العظيمة .