الآية التالية تبدأ بقصّة خيل سليمان ،التي فسّرت بأشكال مختلفة ،حيث أنّ البعض فسّرها بصورة سيّئة ومعارضة لموازين العقل ،حتّى أنّه لا يمكن إيرادها بشأن إنسان عادي ،فكيف ترد بحقّ نبي عظيم كسليمان عليه السلام .
ولكن المحقّقين بعد بحثهم في الدلائل العقليّة والنقلية أغلقوا الطريق أمام أمثال هذه التّفسيرات ،وقبل أن نخوض في الاحتمالات المختلفة الواردة ،نفسّر الآيات وفق ظاهرها أو ( وفق أقوى احتمال ظاهري لها ) لكي نوضّح أنّ القرآن الكريم خال من مثل هذه الإدّعاءات المزيّفة التي فُرضت على القرآن من قبل الآخرين .
إذ يقول القرآن: ( إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد ) .
«صافنات » جمع ( صافنة ) وقال معظم اللغويين والمفسّرين: إنّها تطلق على الجياد التي تقوم على ثلاث قوائم وترفع أحد قوائمها الأمامية قليلا ليمسّ الأرض على طرف الحافر ،وهذه الحالة تخصّ الخيول الأصيلة التي هي على أهبّة الاستعداد للحركة في أيّة لحظة .
«الجياد » جمع ( جواد ) وتعني الخيول السريعة السير ،وكلمة «جياد » مشتقّة في الأصل من ( جود ) ،والجود عند الإنسان يعني بذل المال ،وعند الخيول يعني سرعة سيرها .وبهذا الشكل فإنّ الخيول المذكورة تبدو كأنّها على أهبّة الاستعداد للحركة أثناء حالة توقّفها ،وإنّها سريعة السير أثناء عدوها .
ويستشف من الآية مع القرائن المختلفة المحيطة بها ،أنّه في أحد الأيّام وعند العصر استعرض سليمان ( عليه السلام ) خيوله الأصيلة التي كان قد أعدّها لجهاد أعدائه ،إذ مرّت تلك الخيول مع فرسانها أمام سليمان ( عليه السلام ) في استعراض منسّق ومرتّب .وبما أنّ الملك العادل وصاحب النفوذ عليه أن يمتلك جيشاً قويّاً ،والخيول السريعة إحدى الوسائل المهمّة التي يجب أن تتوفّر لدى ذلك الجيش ،فقد جاء هذا الوصف في القرآن بعد ذكر مقام سليمان باعتباره نموذجاً من أعماله .