التّفسير
العقاب الإِلهي ليس دافعه الإِنتقام:
لقد أظهرت وبيّنت الآيات السابقة صوراً من عقاب الكافرين والمنافقين ،والآية الأخيرةالتي هي موضوع بحثنا الآنتشير إِلى حقيقة ثابتة وهي أنّ العقاب الإِلهي الموجه للبشر العاصين ليس بدافع الإِنتقام ولا هو بدافع التظاهر بالقوّة ،كما أنّه ليس تعويضاً عن الخسائر الناجمة عن تلك المعاصي ،فهذه الأُمور إِنّما تحصل ممن في طبيعته النقص والحاجة ،والله سبحانه وتعالى منزّه من كل نقص ولا يحتاج أبداً إِلى شيء .
إِذن فالعقاب الذي يلحق الإِنسان لما يرتكبه من معاص ،إِنما هو انعكاس للنتائج السيئة التي ترتبت على تلك المعاصيسواء كانت فعلية أو فكريةولذلك يقول الله تعالى عزّ من قائل في هذه الآية: ( ما يفعل الله بعذابكم إِن شكرتم وآمنتم ) .
وبالنظر إِلى أنّ حقيقة الشكر هي أن يستغل الإِنسان النعم التي وهبها الله له في الجهات المخصصة لها في الطبيعة والخلق ،يتّضح لنا أنّ القصد من الآية إِنّما هو: إِنّ من يؤمن ويعمل الخير ويستغل الهبات الإِلهية في المجالات التي خصصت لها من حيث الخلقدون إِساءة هذا الإِستغلالفلا شك أنّ هذا الإِنسان المؤمن لا يصيبه أي عقاب من الله ،ولتأكيد هذا الأمر تضيف الآية مبيّنة أنّ الله عالم بأعمال ونوايا عباده ،وهو يشكر ويثيب كل من يفعل الخير من العباد لوجه الله .فتقول الآية: ( وكان الله شاكراً عليماً ) .
وقد قدمت هذه الآية مسألة الشكر على الإِيمان لأجل بيان هذه الحقيقة ،وهي أنّ الإِنسان ما لم يدرك نعم الله وهباته العظيمة ويشكره على هذه النعم فلن يستطيع التوصل إِلى معرفة الله والإيمان به ،لأن أنعمه سبحانه وتعالى إِنّما هي وسائل لمعرفته .
وقد ورد في كتب العقيدة الإِسلامية في بحث «وجوب معرفة الله » عن جمع من الباحثين أنّهم استدلوا على معرفة الله بوجوب شكر النعم وجعلوا من الوجوب الفطري لشكر المنعم دليلا على لزوم معرفته ( فدقق ) .