لكن نستطيع أن نعتبر الآية التي بعدها دليلا على ما نقول ،إذ تقول: ( ذلكم بأنّه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يُشرك به تؤمنوا ) .
فعندما يدور الكلام عن التوحيد والتقوى والأوامر الحقة تشمئزون وتحزنون ،أما إذا دار الحديث عن الكفر والنفاق والشرك فستفرحون وتنبسط أساريركم ،لذلك ستكون عاقبتكم ما رأيتم .
وهنا نطرح هذا السؤال: كيف نربط هذا الجواب مع طلبهم العودة إلى هذه الدنيا ؟
إنّ الآية تفيد أنّ حقيقة أعمال هؤلاء لم تكن محدودة بزمن معين ،ولم تكن مؤقتة ،بل كانت دائمية ،لذلك فلو عادوا إلى الحياة مرّة اُخرى فإنهم سيستمرون على هذا الوضع ،أمّا هذا الإيمان والتسليم والإذعان الذي رأيناه منهم يوم القيامة ،فهو اضطراري وليس عن قناعة حقيقية .
ثمّ إنّ اعتقادات هؤلاء وأعمالهم ونياتهم السابقة تستوجب خلودهم في الجحيم ،لذا فلا يمكن عودة هؤلاء إلى الدنيا مع هذا الوضع .
وهذا الوضع يختص بالأفراد الذين تجذّر الكفر والشر والذنب في أعماقهم ،وهؤلاء هم الذين يصفهم القرآن بأنّ نفوسهم تشمئز عند ذكر الله تعالى وحده ،ويفرحون عند ذكر الأصنام: ( وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون ){[3897]} .
إنّ هذا الوصف لا يختص بالمشركين في زمن رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) فحسب ،إذ يشهد زماننا مثل هؤلاء من ذوي القلوب الميتة ،الذين يفرون من الإيمان والتوحيد والتقوى ،ويقبلون على الكفر والنفاق والفساد .
لذلك نقرأ في بعض الروايات عن أهل البيت( عليهم السلام ) ،في تفسير هذه الآية ،أنّها تختص بقضية ( الولاية ) إذ يتأذى البعض عند سماعها ( أي الولاية ) ويفرحون عند سماع أسماء أعداء أهل البيت( عليهم السلام ) هذا التّفسير هو من باب انطباق المفهوم ،العام على المصداق ،وليس من باب تقييد كلّ المفهوم الذي تطويه الآية بهذا المصداق ) .
وفي نهاية الآية ،ومن أجل أن لا ييأس هؤلاء المشركون ذوو القلوب المظلمة ،تقول الآية إنّ الحاكمية تختص بذات الله سبحانه وتعالى: ( فالحكم لله العلي الكبير ) إذ لا يوجد غيره قاض وحاكم في محكمة الآخرة ،ولا يوجد غيره علي وكبير ،فلا يستطيع أحد أن يغلبه أو أن يؤثّر عليه أو على حكمه بفدية أو غرامة أو وساطة ،فالحاكم المطلق هو ،والجميع يطيعونه ،ولا يوجد طريق للهرب من حكمه .
/خ12