الآية التي بعدها تنتقل للحديث عن تعاملهم مع الأنبياء ومعاجز الرسل البينة ،حيث يقول تعالى: ( فلما جاءتهم رسلهم بالبيّنات فرحوا بما عندهم من العلم ){[3983]} أيّ إنّهم فرحوا بما عندهم من المعلومات والأخبار ،وصرفوا وجوههم عن الأنبياء وأدلتهم . وكان هذا الأمر سبباً لأن ينزل بهم العذاب الإلهي: ( وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ) .
وذكر المفسّرون احتمالات عديدة عن حقيقة العلم الذي كان عندهم ،والذي اغتروا به وشعروا معه بعدم الحاجة إلى تعليمات الأنبياء ،والاحتمالات هذه هي:
أوّلا: لقد كانوا يظنون أنّ الشبهات الواهية والسفسطة الفارغة هي العلم ،ويعتمدون عليها .لقد ذكر القرآن الكريم أمثلة متعدّدة لهذا الاحتمال ،كما في قوله تعالى: ( من يحيي العظام وهي رميم ){[3984]} والآية حكاية على لسانهم .
وممّا حكاه القرآن عنهم أيضاً ،قوله تعالى: ( أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد ){[3985]} .
وقولهم في الآية ( 24 ) من سورة الجاثية: ( ما هي إلاّ حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلاّ الدهر ) .
وهناك أمثلة أخرى لإدعاءاتهم .
ثانياً: المقصود بها العلوم المرتبطة بالدنيا وتدبير أُمور الحياة ،كما كان يدّعي «قارون » مثلا ،كما يحكي عنه القرآن الكريم في قوله تعالى: ( إنّما أوتيته على علم عندي ){[3986]} .
ثالثاً: المقصود بها العلوم ذات الأدلة العقلية والفلسفية ،حث كان يعتقد البعض ممن يمتلك هذه العلوم أنّ لا حاجة له للأنبياء ،وبالتالي فهو لا ينصاع لنبواتهم ودلائل إعجازهم .
التفاسير الآنفة الذكر لا تتعارض فيما بينها ،لأنّها جميعاً تقصد اعتماد البشر على ما لديهم ،واستعلاءهم بهذه «المعرفة » على دعوات الرسل ومعاجز الأنبياء .بل واندفع هؤلاء حتى إلى السخرية بالوحي والمعارف السماوية .
/خ85