الآية التي بعدها تضيف: ( تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن ){[4078]} وذلك بسبب نزول الوحي من قبل الله ،أو بسبب التُهم الباطلة التي كان المشركون والكفّار ينسبونها إلى الذات المقدسة ويشركون الأصنام في عبادته .
ويتّضح ممّا سلف أنّ للجملة معنيين:
الأوّل: أنّها تختص بموضوع الوحي الذي هو حديث الآيات السابقة ،وهو في الواقع يشبه ما جاء في الآية( 21 ) من سورة «الحشر » في قوله تعالى: ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله ) .
إنّه كلام الله الذي يزلزل السماوات عند نزوله وتكاد تتلاشى ،فلو أنّه نزل على الجبال لتصدّعت ،لأنّه كلام عظيم من خالق حكيم .
والويل لقلب الإنسان ،فهو الوحيد الذي لا يلين ولا يستسلم ،ويصر على عناده وتكبره .
التّفسير الثّاني: أنّ السماوات تكاد تتفطّر وتتلاشى بسبب شرك المشركين وعبادتهم للأصنام من دون الله ،بل هم يساوون بين أدنى الكائنات والموجودات وبين المبدأ العظيم خالق الكون جلَّ وعلا .
التّفسير الأوّل يناسب الآيات التي نبحثها والتي تنصب حول الوحي والتّفسير الثّاني يناسب ما نقرؤه في الآيتين ( 90 ، 91 ) من سورة «مريم » حيثُ يقول تعالى بعد أن يذكر قول الكفاروقبح قولهمباتخاذه ولداً(!!): ( تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً أن دعوا للرحمن ولداً ) .
ومن الواضح أن ليس ثمّة تعارض بين التّفسيرين .
أمّا عن كيفية انفطار السماوات وانهدام الجبال وهي موجودات جامدة ،فقد ذكروا كلاماً وأقوالا متعدّدة في الموضوع تعرضنا لهافي نهاية حديثنا عن الآيتين المذكورتين من سورة مريم .
وإذا أردنا أن نقف على استخلاص عام لما قلناه هناك ،فيمكن أن نلاحظ أنّ مجموعة عالم الوجود من جماد ونبات وغير ذلك لها نوع من العقل والشعور ،بالرغم من عدم إدراكنا له ،وهم على هذا الأساس يسبحون الله ويحمدونه ،ويخضعون له ويخشعون لكلامه .
أو أن يكون التعبير كناية عن عظمة وأهمية الموضوع ،مثلما نقول مثلا: إنّ الحادثة الفلانية كانت عظيمة جدّاً وكأنّما انطبقت معها السماء على الأرض .
بقية الآية ،قوله تعالى: ( والملائكة يسبحون بحمد ربّهم ويستغفرون لمن في الأرض ) .
أمّا الرابطة بين هذا الجزء من الآية والجزء الذي سبقه ،فهو وفقاً للتفسير الأوّلأنّ الملائكة الذين هم حملة الوحي العظيم وواسطته ،يسبحون ويحمدون الله دائماً ،يحمدونه بجميع الكمالات ،وينزهونه عن جميع النواقص ،وعندما ينحرف المؤمنون أحياناً ،تقوم الملائكة بنصرهم ويطلبون المغفرة لهم من الله تعالى .
أمّا وفق التّفسير الثّاني ،فإنّ تسبيح الملائكة وحمدهم إنّما يكون لتنزيهه تعالى عما ينسب إليه من شرك ،وهم يستغفرون كذلك للمشركين الذين آمنوا وسلكوا طريق التوحيد ورجعوا إلى بارئهم جلّ جلاله .
وعندما تستغفر الملائكة لمثل هذا الذنب العظيم لدى المؤمنين ،فهي حتماًومن باب أولىتستغفر لجميع ما لهم من ذنوب اُخرى .وقد يكون الإطلاق في الآية لهذا السبب بالذات .
نقرأ نظيراً لهذه البشرى العظيمة في الآية ( 7 ) من سورة المؤمن في قوله تعالى:( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربّهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربّنا وسعت كلّ شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك ) .
وأخيراً تشير نهاية الآية الكريمة إلى سادس وسابع صفة من صفات الله تبارك وتعالى ،وتنصب حول الغفران والرحمة ،وتتصل بقضية الوحي ومحتواه ،وبخصوص وظائف المؤمنين ،حيث يقول تعالى: ( ألا إنّ الله هو الغفور الرحيم ) .
وبهذا الترتيب أتمّت الآيات الكريمات الإشارة إلى مجموعة متكاملة من الأسماء الحسنى المختصة بالله تعالى والمرتبطة بالوحي .
وفي نهاية الآية ثمّة إشارة لطيفة إلى استجابة دعاء الملائكة بخصوص استغفارهم للمؤمنين ،بل أنّه تعالى يضيف الرحمة إلى صفة الغفور ممّا يدل على عظيم فضله .
أمّا عن مسألة الوحي فسيكون لنا كلام مفصل في نهاية هذه السورة إن شاء الله عندما نتحدّث عن الآيتين( 51 ، 52 ) .
هل تستغفر الملائكة للجميع ؟
قد يطرح السؤال الآتي حول قوله تعالى: ( ويستغفرون لمن في الأرض )وهو: الآية تفيد استغفار الملائكة لمطلق أهل الأرض سواء المؤمن منهم أو الكافر ،فهل يمكن ذلك ؟
لقد أجابت الآية ( 7 ) من سورة المؤمن على هذا السؤال من خلال قوله تعالى: ( يستغفرون للذين آمنوا ) .
وبناءً على هذا فإنَّ شرط الإستغفار هو الإيمان ،إضافة إلى كونهم معصومين ،وهم بذلك لا يطلبون المستحيل للذين يفتقدون إلى أرضية الغفران .