وفي الآية التّالية يخاطب المنكرين للقرآن والمعرضين عنه ،فيقول: ( أفنضرب عنكم الذكر صفحاً إن كنتم قوماً مسرفين ) ؟
صحيح أنّكم لم تألوا جهداً في مخالفتكم للحق وعدائه ،ووصلتم في المخالفة إلى حدّ الإِفراط والإِسراف ،إلاّ أنّ رحمة الله سبحانه واسعة بحدٍّ لا تشكل هذه الأعمال المناوئة حاجزاً في طريقها ،ونظل نُنزل باستمرار هذا الكتاب السماوي الذي يوقظكم ،وآياته التي تبعث الحياة فيكم ،حتّى تهتزّ القلوب التي لها أدنى حظ من الاستعداد وتثوب إلى طريق الحقّ ،وهذا هو مقام رحمة الله العامّة ،أي: رحمانيته التي تشمل العدوّ والصديق ،والمؤمن والكافر .
جملة ( أفنضرب عنكم ) جاءت هنا بمعنى: أفنصرب عنكم ،لأنّ الراكب إذا أراد أن يحوّل دابّته إلى طريق آخر ،فإنّه يحوّله بضربه بالسوط أو بشيء آخر ،ولذلك فإنّ كلمة الضرب تستعمل في مثل هذه الموارد بدلاً من الصرف{[4183]} .
«الصفح » في الأصل بمعنى جانب الشيء وطرفه ،ويأتي أيضاً بمعنى العرض والسعة ،وهو في الآية بالمعنى الأوّل ،أي: أنحول عنكم هذا القرآن الذي هو أساس التذكرة إلى جانب وطرف آخر ؟
«المسرف » من الإِسراف ،وهو تجاوز الحدّ ،إشارة إلى أنّ المشركين وأعداء النبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يقفوا عند حدّ في خلافهم وعدائهم مطلقاً .