وكتأكيد لما مرّ ،ودعوة إلى اتباع دين الله القويم ،تقول آخر آية من هذه الآيات: ( هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون ) .
«البصائر » جمع بصيرة ،وهي النظر ،ومع أنّ هذه اللفظة أكثر ما تستعمل في وجهات النظر الفكرية والنظريات العقلية ،إلاّ أنّها تطلق على كلّ الأُمور التي هي أساس فهم المعاني وإدراكها .
والطريف أنّها تقول: إنّ هذا القرآن والشريعة بصائر ،أي عين البصيرة ،ثمّ أنّها ليست ،بصيرة ،بل بصائر ،ولا تقتصر على بعد واحد ،بل تعطي الإنسان الأفكار والنظريات الصحيحة في كافة مجالات حياته .
وقد ورد نظير هذا التعبير في آيات أُخرى من القرآن الكريم ،كالآية ( 104 ) من سورة الأنعام ،حيث تقول: ( قد جاءكم بصائر من ربكم ) .
وقد طرحت هنا في هذه الآية ثلاثة مواضيع: البصائر والهدى والرحمة ،وهي حسب التسلسل علة ومعلول لبعضها البعض ،فإنّ الآيات الواضحة والشريعة المبصّرة تدفع الإنسان نحو الهداية ،والهداية بدورها أساس رحمة الله .
والجميل في الأمر أنّ الآية تذكر أنّ البصائر لعامة الناس ،أمّا الهدى والرحمة فخصت الموقنين بهما ،ويجب أن يكون الأمر كذلك ،لأنّ آيات القرآن ليست مقصورة على قوم بالخصوص ،بل يشترك فيها كلّ البشر الذين دخلوا في كلمة ( الناس ) في كلّ زمان ومكان ،غير أنّ من الطبيعي أن يكون الهدى فرع اليقين ،وأن تكون الرحمة وليدته ،فلا تشمل الجميع حينئذ .
وعلى أية حال ،فإنّ ما تقوله الآية من أنّ القرآن عين البصيرة ،وعين الهداية والرحمة ،تعبير جميل يعبر عن عظمة هذا الكتاب السماوي وتأثيره وعمقه بالنسبة لأُولئك السالكين طريقه ،والباحثين عن الحقيقة .