ثمّ يردّ القرآن عليهم بجواب آخر ،وفيه منحى نفسي أكثر إذ يقول: ( بل كذّبوا بالحقّ لمّا جاءهم ) .
أي إنّهم جحدوا الحقّ مع علمهم به ،وإلاّ فإنّه لا غبار على الحقّ ،وكما سيتّضح في الآيات المقبلة فإنّهم يرون صورة مصغّرة للمعاد بأعينهم مراراً في هذه الدنيا وليس عندهم مجال للشكّ والتردّد !
لذلك فإنّ القرآن يختتم هذه الآية مضيفاً: ( فهم في أمر مريج ) !فلأنّهم كذّبوا الرسالة فهم دائماً في تناقض في القول وحيرة في العمل واضطراب في السلوك .
فتارةً يتّهمون النّبي بأنّه مجنون أو أنّه شاعر أو كاهن .
وتارةً يعبّرون عن كلماته بأنّها «أساطير الأوّلين » .
وتارةً يقولون بأنّه يعلّمه بشر .
وتارةً يقولون عنه بأنّه ساحر لنفوذ كلماته في القلوب .
وتارةً يقولون بأنّنا نستطيع أن نأتي بمثله .
وهذه الكلمات المتفرّقة والمتناقضة تدلّ على أنّهم فهموا الحقّ ،إلاّ أنّهم يتذرّعون بحجج واهية شتّى ،ولذلك لا يقرّون على كلام واحد أبداً .
وكلمة «مريج » مشتقّة من مرجعلى زنة حرجومعناها الأمر المختلط والمشتبه والمشوش ،ولذلك فقد أطلقوا على الأرض التي تكثر فيها النباتات المختلفة والمتعدّدة بأنّها «مرج » أو «مرتع » .