وتستعرض الآيات التالية بجمل قصيرة مشاهد من العذاب الذي نزل بقوم لوط وكيفية نجاة عائلته حيث يقول سبحانه: ( إنّا أرسلنا عليهم حاصباً ) .
و«حاصب » تعني الريح الشديدة التي تأتي بالحجارة والحصباء ،والحصباء هي الحصى ،ويكون المقصود: إنّا أمطرناهم بالحجارة والحصباء حتّى علت أجسادهم ودفنوا تحتها ،( إلاّ آل لوط نجّيناهم بسحر ) .
وتتحدّث الآيات القرآنية الأخرى عن هول العذاب الذي حلّ بقوم لوط حيث الزلازل التي قلبت مدنهم فأصبح عاليها سافلها ،وبذلك أصيبت بكارثة الدمار الماحق ...وتتحدّث عن مطر الحجارة والحصى الذي نزل عليهم بشدّة ،فيقول سبحانه في ذلك: ( فلمّا جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجّيل منضود ){[4876]} .
ويثار السؤال التالي وهو: هل أنّ العذاب الذي نزّل بقوم لوط كان على نوعين: الأوّل: العاصفة التي حملت الحجارة وحصى الصحراء وقذفتهم بها .والثاني: الأحجار السماوية من السجّيل المنضود .أو أنّهما كانا نوعاً واحداً ؟حيث العواصف العظيمة المحمّلة بالحصى والحجارة المأخوذة من الصحراء ترفعه العواصف العاتية نحو السماء ليعود مرّة أخرى إلى الأرض بعد انخفاض العواصف باتّجاهها .
ولذا فليس من المستبعد أن تأخذ العاصفة قسماً من الحصى والحجارة وترفعها إلى السماء بأمر من الله تعالى لتسقط مرّة أخرى على مدنهم بعد أن أصابها الزلزال العظيم ،فتطمس معالمها المدمّرة ،وتمحو آثار خرائبها من على وجه الأرض ،وتدفن أجسادهم وتنهي كلّ أثر لهم ،كي يكونوا إلى الأبد عبرة وعظة للآخرين{[4877]} .
والذي يفهم من الآية السابقة أنّ نجاة آل لوط كان في وقت السحر ،والسبب في ذلك أنّ الوعد بالانتقام الإلهي من قوم لوط كان وقت الصبح ،لذلكبأمر من اللهقد نجت هذه العائلة المؤمنة بخروجها من المدينة آخر الليلباستثناء زوجته التي تنكّبت وأعرضت عن دعوتهحيث لم يمض وقت طويل حتّى نزل العذاب عليهم زلزالا وعاصفة عاتية تمطرهم بالحصى والحجارة ،كما يتحدّث القرآن الكريم عن هذا المشهد المثير في سورة هود ويقول: ( فأسرِ بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلاّ امرأتك إنّه مصيبها ما أصابهم إنّ موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ){[4878]} .
ومن هنا يتّضح عدم تناسب أقوال المفسّرين الذين اتّبعوا أقوال أئمّة اللغة وذلك باعتبارهم «السَحَر » ما بين الطلوعين في الآية أعلاه{[4879]} .