أمّا المنافقون الذين سلكوا طريق الظلام والكفر والذنوب والمعصية ،فإنّ صراخهم يعلو في مثل تلك الساعة ويلتمسون من المؤمنين شيئاً من النور ،لكنّهم يواجهون بالردّ والنفي .كما في قوله تعالى: ( يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم ){[5073]} .
«اقتباس » في الأصل من مادّة ( قبس ) بمعنى أخذ شعلة من النار ،ثمّ استعملت على أخذ نماذج أخرى أيضاً .
المقصود من جملة ( انظرونا ) هو أن انظروا لنا كي نستفيد من نور وجوهكم لنجد طريقنا ،أو انظروا لنا نظر لطف ومحبّة واعطونا سهماً من نوركم ،كما يحتمل أنّ المقصود هو أنّ ( انظرونا ) مشتقة من ( الانتظار ) بمعنى أعطونا مهلة قليلة حتّى نصل إليكم وفي ظلّ نوركم نجد الطريق .
وعلى كلّ حال يأتي الجواب على طلبهم بقوله تعالى: ( قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً ) .
كان من الممكن أن تحصلوا على النور من الدنيا التي تركتموها وراءكم ،وذلك بإيمانكم وأعمالكم الصالحة ،إلاّ أنّ الوقت انتهى ،وفاتت الفرصة عليكم ولا أمل هنا في حصولكم على النور .
( فضرب بينهم بسور له باب ) وهذا الباب أو هذا الجدار من نوع خاص وأمره فريد ،حيث إنّ كلا من طرفيه مختلف عن الآخر تماماً ،حيث: ( باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ) .
«السور » في اللغة هو الحائط الذي يحيط بالمدنكما كان في السابقللمحافظة عليها ،وفيه نقاط مراقبة عديدة يستقرّ بها الحرّاس للمحافظة ورصد الأعداء تسمّى بالبرج والأبراج .
والنقطة الجديرة بالملاحظة هنا حيث يقول تعالى: ( باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ) حيث أنّ المؤمنين كسكّان المدينة داخل البستان ،والمنافقين كالغرباء القسم الصحراوي ،فهم في جوّين مختلفين وعالمين متفاوتين ،ويحكي ذلك عن كون هؤلاء كانوا في مجتمع واحد جنباً إلى جنب ولكن يفصل بينهم حاجز عظيم من الاعتقادات والأعمال المختلفة ،ففي يوم القيامة يتجسّد نفس المعنى أيضاً .
ولماذا هذا «الباب » ،ولأي الأهداف ؟
للجواب على هذا التساؤل نقول: من الممكن أن يكون هذا الباب من أجل أن يرى المنافقون من خلاله نعم الجنّة ويتحسّرون عليها ،أو أنّ من كان قليل التلوّث بالذنوب وقد نال جزاءه من العذاب بإمكانه أن يدخل منها ويكون مع المؤمنين في نعيمهم .
/خ15