ثمّ يستعرض القرآن الكريم تشبيهاً للمنافقين حيث يقول سبحانه:{كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلمّا كفر قال إني بريء منك إنّي أخاف الله ربّ العالمين}{[5209]} .
ما المقصود ب «الإنسان » في هذه الآية ؟ ،هل هو مطلق الإنسان الذي يقع تحت تأثير الشيطان ،وينخدع بأحابيله ووعوده الكاذبة ،ويسير به في طريق الكفر والضلال ،ثمّ إنّ الشيطان يتركه ويتبرّأ منهم ؟.
أو أنّ المقصود به شخص خاصّ أو ( إنسان معيّن ) كأبي جهل وأتباعه ،حيث أنّ ما حصل لهم في غزوة بدر كان نتيجة تفاعلهم مع الوعود الكاذبة للشيطان ،وأخيراً ذاقوا وبال أمرهم وطعم المرارة المؤلمة للهزيمة والانكسار ،كما في قوله تعالى:{وإذ زيّن لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وانّي جار لكم فلمّا تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إنّي بريء منكم إنّي أرى ما لا ترون ،إنّي أخاف الله والله شديد العقاب}{[5210]} .
أو أنّ المقصود منه هنا هو ( برصيصا ) عابد بني إسرائيل ،حيث انخدع بالشيطان وكفر بالله ،وفي اللحظات الحاسمة تبرّأ الشيطان منه وابتعد عنه ،كما سيأتي شرح ذلك إن شاء الله ...؟
التّفسير الأوّل هو الأكثر انسجاما مع مفهوم الآية الكريمة ،أمّا التّفسيران الثاني والثالث فنستطيع أن نقول عنهما: إنّهما بيان بعض مصاديق هذا المفهوم الواسع .
وعلى كلّ حال فإنّ العذاب الذي يخشاه الشيطانفي الظاهرهو عذاب الدنيا ،وبناءً على هذا فإنّ خوفه جدّي وليس هزلا أو مزاحاً ،ذلك لأنّ الكثير من الأشخاص يخشون العقوبات الدنيوية المحدودة ،إلاّ أنّهم لا يأبهون للعقوبات البعيدة المدى ولا يعيرون لها اهتماما .
نعم ،هكذا حال المنافقين حيث يدفعون بحلفائهم من خلال الوعود الكاذبة والمكر والحيلة إلى أتون المعارك والمشاكل ثمّ يتركونهم لوحدهم ،ويتخلّون عنهم ،لأنّ الوفاء لا يجتمع والنفاق .
/خ20