أي انتظر حتّى يهيئ الله لك ولأعوانك أسباب النصر ،ويكسر شوكة أعدائك ،فلا تستعجل بعذابهم أبداً ،واعلم بأنّ الله ممهلهم وغير مهملهم ،وما المهلة المعطاة لهم إلاّ نوع من عذاب الاستدراج .
وبناءً على هذا فإنّ المقصود من ( حكم ربّك ) هو حكم الله المقرّر الأكيد حول انتصار المسلمين .
وقيل أنّ المقصود منها هو: أن تستقيم وتصبر في طريق إبلاغ أحكام الله تعالى .
كما يوجد احتمال آخر أيضاً وهو أنّ المقصود بالآية أنّ حكم الله إذا جاء فعليك أن تستسلم لأمره تعالى وتصبر ،لأنّه سبحانه قد حكم بذل{[5397]} .
إلاّ أنّ التّفسير الأوّل أنسب .
ثمّ يضيف تعالى: ( ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم ):
والمقصود من هذا النداء هو ما ورد في قوله تعالى: ( فنادى في الظلمات أن لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين ){[5398]} .
وبذلك فقد اعترف النبي يونس ( عليه السلام ) بترك الأولى ،وطلب العفو والمغفرة من الله تعالى .كما يحتمل أن يكون المقصود من هذا النداء هو اللعنة التي أطلقها على قومه في ساعة غضبه .إلاّ أنّ المفسّرين اختاروا التّفسير الأوّل لأنّ التعبيرب «نادى » في هذه الآية يتناسب مع ما ورد في الآية ( 87 ) من سورة الأنبياء ،حيث من المسلّم انّه نادى ربّه عندما كان ( عليه السلام ) في بطن الحوت .
«مكظوم » من مادّة ( كظم ) على وزن ( هضم ) بمعنى الحلقوم ،و ( كظم السقاء ) بمعنى سدّ فوهة القربة بعد امتلائها ،ولهذا السبب يقال للأشخاص الذين يخفون غضبهم وألمهم ويسيطرون على انفعالاتهم ويكظمون غيظهم ...بأنّهم: كاظمون ،والمفرد: كاظم ،ولهذا السبب يستعمل هذا المصطلح أيضاً بمعنى ( الحبس ) .
وبناءً على ما تقدّم فيمكن أن يكون للمكظوم معنيان في الآية أعلاه: المملوء غضباً وحزناً ،أو المحبوس في بطن الحوت ،والمعنى الأوّل أنسب ،كما ذكرنا .