كما ذكّر الجميع بأنّهم سيتعرضون في الأرض للموت بعد الحياة ،ثمّ يخرجون من الأرض مرّة أُخرى للحساب ( قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ) .
والظاهر أن المخاطبين في هذه الآية: ( قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو )هم آدم وحواء وإِبليس جميعاً ،ولكن لا يبعد أن يكون المخاطبين في الآية اللاحقة هم آدم وحواء فقط لأنّهما هما اللذان يخرجان من الأرض .
قصّة آدم ومستقبل هذا العالم:
إِن بعض المفسّرين الذين تأثروا بموجة الأفكار الغربية الإِلحادية عادة ،وحاولوا أن يضفوا على قصّة آدم وحواء من بدايتها إلى نهايتها طابع التشبيه والكناية والمجازية ،أو ما يسمّى الآن بالرمزية ،ويحملوا جميع الألفاظ المتعلقة بهذه الحادثةعلى خلاف الظاهرعلى الكناية عن المسائل المعنوية .
ولكن الذي لا شك فيه أن ظاهر هذه الآيات يحكي عن حادثة واقعية عينية وقعت لأبينا وأُمنا الأوّلين: آدم وحواء ،وحيث أن هذه القصّة لا تتضمن أية نكتة غير قابلة للتفسير حسب الظاهر ،كما ليس فيها ما يخالف الموازين العقلية ( ليكون قرينة على حملها على المعنى الكنائي ) لهذا ليس هناك أي دليل على أن نعرض عن ظاهر الآيات ،ولا نحملها على معناها الحقيقي .
ولكن مع ذلك يمكن أن تحمل هذه الحادثة الواقعية الحسية إِشارات إلى حياة النوع البشري في مستقبل هذه العالم .
يعني أنّ الإنسان المركب من قوّة «العقل » ومن «الغرائز الجامحة » والتي تجرّه كل واحدة منهما إلى جهة وناحية يواجه في خضم هذه الحياة الصاخبة دعاة كذّابين أصحاب سوابق سيئة مثل الشيطان ،يحاولون بوساوسهم المتواصلة إِلقاء الستار والحجاب على عقله بغية عزله عنه ،وبغية خداعه وإِضلاله وتركه حائراً في متاهات الحياة يبحث عن سراب .
إِنّ أوّل نتيجة للاستسلام أمام الوساوس هو انهيار حاجز التقوى ،وسقوط لباسه ،وانكشاف مساوئه وسوءاته .
والأُخرى هي الابتعاد عن مقام القرب إلى الله ،وسقوط الإنسان عن مقام الإنسانية الكريم ،والإِخراج من جنة الأمن والطمأنينة ،والوقوع في دوامة الحياة المادية المضنية .
وفي هذه الحالة يمكن لقوّة العقلأيضاًأن تساعد الإنسان وتعينه على النهوض من كبوته ،فيفكر فوراً في تلافي ما فاته ،وجبران ما بدر منه ،فيبعثه العقل والتفكير إلى أن يعود إلى الله كي يعترف بكل شجاعة وصراحة بذنوبه ،اعترافاً بناءاً واعياً مفيداً يعدُّ منعطفاً في حياته .
وفي هذا الوقت تمتد إِليه يد الرحمة الإِلهية مرّة أُخرى ،وتنقذه وتخلصه من السقوط الأبديّ ،وإِن كان لا يستطيع مع ذلك التخلص من آثار معصيته الوضعية ونتائجها الطبيعية مهما كانت قليلة ومحدودة .ولكن هذه الحادثة ستكون له درساً وعبرة ،وسيمكنه ذلك من أن يتخذ من هذه الهزيمة قاعدة صلبة لانتصاره في مستقبل الحياة ،ويستفيد من هذا الضرر نفعاً كبيراً في المراحل القادمة من حياته .