ويضيف في إدامة الآية بياناً عن التأثير غير العادي للقرآن المجيد وقيام الرّسول للدّعاء فيقول: ( وأنّه لما قام عبد اللّه يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ){[5506]} ،أي عندما كان رسول اللّه( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقوم للصلاة ،فإنّ طائفة من الجن كانوا يجتمعون عليه بشكل متزاحم .
«لبد »: على وزن ( فِعَل ) وتعني الأشياء المجتمعة المتراكمة ،وهذا التّعبير بيان لتعجب الجنّ ممّا يشاهدونه من عبادته( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقراءته قرآناً لم يسمعوا كلاماً يماثله ،وقيل في ذلك قولان آخران:
الأوّل: أنّهمأي الجنيبيّنون حال أصحاب الرّسول( صلى الله عليه وآله وسلم ) والمجتمعين عليه المقتدين به في صلاته إذا صلّى والمنصتين لما يتلوه كلام اللّه ،والمراد من ذلك هو الإقتداء الجنّ بهم والإيمان في ذلك .
الثّاني: لبيان حال المشركين ،أي لمّا قام النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعبد اللّه بالصلاة كاد المشركون بازدحامهم أن يكونوا عليه لبداً مجتمعين متراكمين ليستهزئوا به .
والوجه الأخير لا يلائم هدف مبلغي الجن الذين أرادوا ترغيب الآخرين في الإيمان والمناسب هو أحد القولين السابقين .
ملاحظة:
التّحريف في تفسير الآية: ( وأنّ المساجد للّه )
إنّ مسألة التوسل بالنّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) وبأولياء دين اللّه( عليهم السلام ) تعني اتّخاذهم وسيلة وذريعة الى اللّه تعالى ،وهذا ممّا لا يتنافى مع حقيقة التوحيد ولا مع آيات القرآن ،بل هي تأكيد على التوحيد وعلى أنّ كلّ شيء هو من عند اللّه ،وأُشير إلى الشفاعة وطلب النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) المغفرة للمؤمنين في كثير من آيات القرآن{[5507]} وبهذا يصرّ بعض المبتعدين عن التعاليم الإسلامية والقرآن الكريم على إنكار شيء من قبيل التوسل والشفاعة .
وقد تذرعوا بعدة ذرائع لإثبات مقاصدهم ،منها ما يقولهم: إنّ الآية: ( وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحداً ) تعني أنّ اللّه يأمر ألاّ تدعوا معه أحداً ،ولا ندعو غيره أو نطلب الشفاعة من غيره !والإنصاف أنّ ما قالوه لا يناسب سياق الآية ولا يرتبط هذا المعنى بالآية ،بل الهدف من الآية نفي الشرك ،أي جعل الشيء مع اللّه في مرتبة واحدة في العبادة أو طلب الحاجة ،وبعبارة أُخرى أنّ المشرك هو من يبتغي الحوائج من غير اللّه تعالى ،ويجعل له الخَيَرة ويظن أنّ قضاء حوائجه منه .
كما أنّ كلمة ( مع ) في الآية: ( فلا تدعوا مع اللّه أحداً ) تشير إلى هذا المعنى ،وهو ألاّ يجعل مع اللّه أحداً ،ويكون ذلك مبدءاً للتأثير المستقل ،وليست نفياً لتشفع الأنبياء أو جعلهم وسطاء عند اللّه تعالى ،بل إنّ القرآن الكريم يطلب أحياناً ذلك من النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) نفسه وأحياناً أخرى يأمر بطلب الشفاعة من النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما نقرأ في الآية ( 103 ) من سورة التوبة: ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم ) .
وكذا الآية ( 97 ) من سورة يوسف عن لسان إخوته وهم يخاطبونه أباهم: ( يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنّا منّا خاطئين )
فلم يرفض النّبي يعقوب( عليه السلام ) ذلك الطلب ،بل وعدهم في ذلك وقال: ( سوف أستغفر لكم ربّي ) .
ولهذا فإنّ مسألة التوسل وطلب الشّفاعة كما تقدم هي من المفاهيم الصريحة في القرآن .