ويشير بعد ذلك إلى نعمة النوم ،فيقول: ( وجعلنا نومكم سباتاً ) .
«السبات »: من السبت ،بمعنى القطع ،ثمّ استعملت بمعنى ( تعطيل العمل ) لأجل الاستراحة ،وسمي «يوم السبت » بذلك لأنّ اليهود كانوا يعطلون أعمالهم في اليوم المذكور .
ويحمل وصف «النوم » بالسبات إشارةً لطيفة إلى تعطيل قسم من الفعاليات
الجسمية والروحية للإنسان عند النوم .
ويعطي التعطيل فرصة: لاستراحة أعضاء البدن ..لتجديد القوى ..لتقوية الروح والجسد ،لتجديد النشاط ورفع أيّ نوع من التعب والآلام ،والاستعداد لتقبل المرحلية القادمة ( بعد النوم ) بفاعلية ونشاط متجدد .
وبالرغم من أنّ النوم يشكّل ثلث حياة الإنسان ،ولكنّ الإنسان لا زال يجهل الكثير من خفاياه ،بل ولا زال الإنسان ( منذ القديم وحتى الآن ) لا يعرف سبب تعطيل بعض فعاليات الدماغ في مدّة معينة وتغمض العين أجفانها وتسكن جميع أعضاء البدن !
وبات من المعروف ما للنوم من دور مهم في حياة الإنسان ،حتى حرص أطباء علم النفس دوماً على تنظيم نوم مرضاهم بصورته الطبيعية حفاظاً على حالة التوازن النفسي للمرضى .
فالذين لا يتمتعون بنوم طبيعي تراهم مصابون بحدّة المزاج ،القلق ،الاضطراب ،الكآبة ،وبالمقابل ،نرى الذين يتمتعون بنوم طبيعي ينهضون كل صباح بنشاط وحيوية وبقدرة جديدة .
ومن بين ما يقدمه النوم من تأثير مهم على الإنسان: سرعة تقبل ذهن الإنسان للدراسة والمطالعة بعد فترة نوم طبيعية وهادئة وسرعة إنجاز الأعمال الفكرية والبدنية ولعلّ من أسهل أساليب تعذيب الإنسان هو حرمانه من النوم ،خصوصاً وأنّ التجارب العلمية أثبتت بأنّ قابلية الإنسان على تحمل الأرق ضعيفة جدّاً ،وإذا حاول أيُّ إنسان أنْ يجرب ذلك ،فلا تمضي عليه فترة وجيزة إلاّ ويصاب في سلامته ويمرض .
وكلّ ما ذكر من فوائد النوم فإنّه يختص بالنوم الطبيعي الموزون ،وأمّا إذا زاد عن حدّه الطبيعي فلا يجني صاحبه سوى الآثار السلبية لهذا الإفراط ،كحال الإفراط في الطعام .
ومن الغريب أنّ نسبة فترة النوم تختلف من إنسان لآخر ،ولا يمكن تعيين فترة محددة لكل الناس ،وعليه ..فكل إنسان يعرف الفترة التي تناسبه طبيعياً بما يناسب فعالياته الجسمية والروحية ،وتجربة الإنسان هي التي تُعين نسبة النوم الضروري له .
والأغرب من ذلك ،إنّه قد يضطر الإنسان في الحوادث والشدائد إلى السهر واليقظة مدّة طويلة ،ولذلك تزداد مقاومته للنوم بشكل ملحوظ ولكنّه مؤقت ،وقد يستكفي في تلك الأحيان بساعة أو ساعتين من النوم لليوم الواحد ،ولكنْ ..سرعان ما ينتهي ذلك التمكن بمجرّد الرجوع إلى الحالة الطبيعية ،بل وقد يحتاج لساعات نوم أطول من السابق للتعويض عمّا فاته من نوم !
ومن النادر أنْ نرى إنساناً يعيش حالة اليقظة لعدة أشهر ،وفي قبال ذلك نرى بعض الناس ينامون أثناء المشي ،بل وهناك مَنْ ينام وأنت تشاطره أطراف الحديث ،ومثل هكذا أشخاص يعيشون حالة غير طبيعية وغالباً ما تكون الحوادث المؤسفة في انتظارهم ،فالضرورة تقتضي ألاّ يتركوا بدون مراقب أو مرافق .
والخلاصة:إنّ هذا الحادث العجيب والظاهرة الغامضة التي تدعى ب «النوم » مصحوبة بعجائب كثيرة وكأنّها معجزة من المعاجز{[5707]} .
ومع أنّ ذكر النوم في الآية قد جاء باعتباره إحدى النعم الإلهية ،إلاّ أنّ الآية المباركة قد تشير بذلك إلى الموت ،لما للنوم من شبه بالموت ،والاستيقاظ بالبعث .
/خ16