والأعجب في هذا الشأن أنّ المشركين كانوا يدّعون أنّهم يصلّون ويعبدون الله بما كانوا يقومون به من أعمال قبيحة كالصفير والتصدية عند البيت ،ولهذا فقد قالت الآية التالية عنهم: ( وما كان صلاتهم عند البيت إلاّ مكاءاً وتصدية ) .
ونقرأ في التأريخ أنّ طائفة من الأعراب في زمان الجاهلية عندما كانوا يطوفون بالبيت العتيق ،كانوا يخلعون ثيابهم ويصفرون ويصفقون ويسمّون أعمالهم هذه عبادة ،وورد أيضاً أنّ النّبي الأكرم( صلى الله عليه وآله وسلم ) عند ما كان يقف بجانب الحجر الأسود ويتجه بوجهه نحو الشمال ليكون في مقابل الكعبة وبيت المقدس ،ويشرع بالصلاة ،كان يقف إِلى يمينه ويساره رجلان من بني سهم فيأخذ أحدهم بالصياح والآخر بالتصفيق ليؤذياه في صلاته .
تعقب الآية على ما تقدم لتقول: إنّ أعمالكمبل حتى صلاتكممدعاة للخجل والسفاهة ولذلك ( فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) .
إنّ الإِنسان حين يقلّب صفحات التأريخ ويتوغّل فيه باحثاً عن جوانب من تاريخ عرب الجاهلية التي وردت الإشارة إليها في القرآن ،يرىويا للعجب العجاب ! في عصرنا الحاضر الذي عُرف بعصر الفضاء والذرة من يُعيد تلك الأعمال التي كانت في زمان الجاهلية ،ويتصوّر نفسه في عبادة ،فيقرؤون الآيات القرآنية أو الأشعار في مدح النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) والإمام علي( عليه السلام ) بالألحان الموسيقية ذات الإِيقاع المثير ،وتهتزّ أيديهم ورؤوسهم بما يشبه حالة الرقص ،ويسمّون ذلك ذكراً ومدائح ،ويقيمونها في التكايا وغيرها .مع أنّ الإسلام يبرأ من جميع هذه الأعمال ،وهي مثل آخر من أمثلة أعمال «الجاهلية » .
ويبقى هنا سؤال واحد ،وهو أنّ الآية الثّالثة من الآيات محل البحث قد نفت نزول العذاب بتوفر شرطين طبعاً ،والآية الرّابعة أثبتت تُرىْ ألا يقع التضاد بين الآيتين ؟
والجواب: إنّ الآية السابقة إِلى العقاب الدنيوي ،والآية اللاحقة لعلها إشارة إِلى العقاب الأُخروي ،أو أنّها إشارة إِلى أنّ هؤلاء يستحقون العقاب في الدنيا وهو محدق بهم ،فإذا مضى النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم يتوبوا ويستغفروا ربّهم فإنّه سينزل بهم لا محالة .