ثمّ يضيف: ( وفاكهة وأبّاً ) .
«الأبّ »: ( بتشديد الباء ): هو المرعى المُهيأ للرعي والحصد ،وهو في الأصل بمعنى «التهيؤ » ،أطلق على المرعى لما فيه من أعشاب يكون بها مهيئاً لاستفادة الحيوانات منه .
وذكر جمع من المفسّرينمن كلا الفريقينفي ذيل الآية: إنّ عمر بن الخطاب قرأ يوماً على المنبر: ( فأنبتنا فيها حبّاً وعنباً وقضياً ) إلى قوله تعالى: ( وأبّاً ) ..قال: كلّ هذا قد عرفناه ،فما الأبّ !ثمّ رمى عصاً كانت في يده ،فقال: هذا لعمر اللّه هو التكلف ،فما عليك أنْ لا تدري ما الأبّ !!اتبعوا ما تبيّن لكم هداه من الكتاب فاعملوا به ،وما لم تعرفوه فكِلوه إلى ربّه !{[5802]} .
وأغرب من ذلك ،ما ورد في ( الدر المنثور ) عن أبي بكر حينما سئل عن ذلك ،أنّه قال: ( أيُّ سماء تظلني وأيُّ أرض تقلني إذا قلت في كتاب اللّه ما لا أعلم ) !
وقد اتّخذ كثير من علماء السنّة من الحديثين المذكورين على أنّه: لا ينبغي لأحد التكلم فيما لا يعلم ،وعلى الأخص في كتاب اللّه .
ولكنْ ،يبقى في الذهن إشكال ...إذْ كيف يكون لخليفة المسلمين أنْ لا يفقه كلمة وردت في القرآن الكريم ،مع كونها ليست من معضلات اللغة ؟!!وهذا ما يوصلنا إلى ضرورة وجود قائد الإلهي في كلّ عصر ،وأن يكون عارفاً بجميع المسائل الشرعية ،ومنزّهاً عن الخطأ ( معصوماً ) .
ولذلك ،روي عن أمير المؤمنين( عليه السلام ) ،إنّه حينما سمع بما قاله الخليفة ..قال: «سبحان اللّه أمَا عَلِمَ أنّ الأبّ هو الكلأ والمرعى ،وأنّ قوله تعالى:( وفاكهة وأبّاً )اعتداد من اللّه بإنعامه على خلقه ،فيما غذّاهم به ،وخلقه لهم ولأنعامهم ،ممّا تحيى به أنفسهم وتقوم به أجسادهم »{[5803]} .
ويواجهنا سؤال: إذا كانت الآيات السابقة ذكرت بعض أنواع الفاكهة ،والآية المبحوثة تناولت الفاكهة بشكل عام ،هذا بالإضافة إلى ذكر ال «حدائق » في الآية السابقة والتي قيل أنّ ظاهرها يشير إلى الفاكهة ...فَلِمَ هذا التكرار ؟
الجواب: إنّ تخصيص ذكر العنب والزيتون والتمر ( بقرينة ذكر النخل ) ،إنّما جاء ذكرها لأهميتها المميزة على بقية الفاكهة{[5804]} .
أمّا لماذا ذكرت بشكل منفصل عن الفاكهة ؟فيمكن حمله على ما للحدائق من منافع خاصّة بها ،ولا تشترك الفاكهة فيها ،كجمالية منظرها وعذوبة نسيمها وما شابه ذلك ،بالإضافة إلى استعمال أوراق الأشجار وجذورها وقشور جذوعها كمواد غذائية ( كالشاي والزنجبيل وأمثالها ) ،أمّا بالنسبة للحيوانات ،فأوراق الأشجار المختلفة من أفضل أغذيتها عموماً ...فالآيات إذَنْ كانت في صدد الحديث عن غذاء الإنسان والحيوان .