الآية التالية تقول: ( فكذبوه فعقروها ) ،و«العقر »على وزن كفرمعناه الأساس والأصل والجذر ،و«عقر الناقة » قطع أساسها وإهلاكها .
وقيل: «العقر » بتر أسافل أطراف الناقة ،ممّا يؤدي إلى سقوطها وهلاكها .
ويلاحظ أنّ قاتل الناقة شخص واحد أشارت إليه الآية بأشقاها ،بينما نسب العقر إلى كلّ طغاة قوم ثمود: «فعقروها » ،وهذا يعني أنّ كلّ هؤلاء القوم كانوا مشاركين في الجريمة ،وذلك أوّلاً: لأنّ مثل هذه المؤامرات يخطط لها مجموعة ثمّ ينفذها فرد واحد أو أفراد .
وثانياً: لأنّ هذه الجريمة تمّت برضا القوم فهم شركاء في الجريمة بهذا الرضا ،وعن أمير المؤمنين علي( عليه السلام )قال: «إنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمهم اللّه بالعذاب لما عموه بالرضى ،فقال سبحانه: ( فعقروها فأصبحوا نادمين ) »{[6023]}
وعقب هذا التكذيب أنزل اللّه عليهم العقاب فلم يترك لهم أثراً: ( فدمدم عليهم ربّهم بذنبهم فسواها ) .
«دمدم » تعني أهلك ،وتأتي أحياناً بمعنى عذّب وعاقب وأحياناً بمعنى سحق واستأصل ،وبمعنى سخط أو أحاط{[6024]} .
و«سوّاها » من التسوية وهي تسوية الأبنية بالأرض نتيجة صيحة عظيمة وصاعقة وزلزلة ،أو بمعنى إنهاء حالة هؤلاء القوم ،أو تسويتهم جميعاً في العقاب والعذاب ،حتى لم يسلم أحد منهم .
ومن الممكن أيضاً الجمع بين هذه المعاني .
الضمير في «سوّاها » يعود إلى قبيلة ثمود ،وقد يعود إلى مدنهم وقراهم التي سوّاها ربّ العالمين مع الأرض .
وقيل إنّ الضمير يعود إلى مصدر «دمدم » أي إنّ اللّه سوّى غضبه وسخطه على القوم ليشملهم جميعاً على حدٍّ سواء ،والتّفسير الأوّل أنسب .
ومن الآية نستنتج بوضوح أنّ عقاب هؤلاء القوم كان نتيجة لذنوبهم وكان متناسباً مع تلك الذنوب ،وهذا عين الحكمة والعدالة .
في تاريخ الأمم نرى غالباً بروز حالة الندم فيهم حين يرون آثار العذاب ولجوءهم إلى التوبة ،أمّا قوم ثمود ،فالغريب أنّهم حين رأوا علامات العذاب طفقوا يبحثون عن نبيّهم صالح ليقتلوه{[6025]} .وهذا دليل على ارتكاسهم في العصيان والطغيان أمام اللّه ورسوله .لكن اللّه نجّا صالحاً وأهلك قومه شرّ إهلاك .
/خ15