قوله تعالى:{ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم ويعمهون} .
{استعجالهم} ،منصوب على المصدر ،وتقديره: استعجالا مثل استعجالهم فحذف المصدر وصفته وأقام مقامه ما أضيفت إليه الصفة{[1945]} .
وهذا إخبار من الله عن عظيم رحمته ولطفه بالعباد ؛فهو جلت قدرته لا يستجيب لهم إذا ما دعوا على أنفسهم أو أولادهم أو أموالهم حال غضبهم الشديد .وهو سبحانه يعلم أنهم في مثل هذه الحال من التضجر والغضب لا يقصدون بالشر إرادته لأنفسهم أو أولادهم أو أموالهم .ومن أجل ذلك لا يستجيب الله لهم مثل هذا الدعاء كما يستجيب لهم إذا ما دعوا لأنفسهم ولأولادهم وأموالهم بالخير .لا جرم أن الله لطيف رؤوف بالعباد ؛وهو سبحانه أعلم بأنفسهم من أنفسهم ؛فهم لضعفهم وقلة اصطبارهم وهوان عزائمهم ويستعجلون الشر لأنفسهم وأولادهم ؛بالدعاء في ساعة الكرب والشدة إذا ما غشيتهم غاشية من غضب أو سخط أو تضجر ؛ولهذا تفضل الله بجزيل امتنانه ،وكامل رحمته وتلطفه بالعباد ؛إذ لم يقبل منهم الدعاء إلا ما كان منه في الخير والبركة والنماء ؛وهو قوله تعالى:{ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم} أي لو يعجل الله للناس إجابة دعائهم في الشر فيما فيه سوء عليهم في أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم كاستعجاله لهم في الخير بالإجابة إذا دعوا الله به ؛لهلكوا ،ولعجل الله لهم الموت والفناء .
على أن الإفراط في دعاء المرء على نفسه وولده وماله يوشك أن يفضي إلى الهلكة والمحذور ؛فينبغي مجانبة الدعاء على النفس والمال والولد في كل الأحوال ،وأن يصون المرء لسانه عن التعثر بمثل هذا الدعاء ما استطاع إلى ذلك سبيلا .وقي التحذير من مثل هذا الدعاء روي الإمام مسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تدعوا على أنفسكم ،ولا تدعوا على أولادكم ،ولا تدعوا على أموالكم ؛ولا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم ) .
قوله:{فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون} الطغيان ،مجاوزة الحد في العصيان{[1946]} .و{يعمهون} ،من العمه ،وهو التحير والتردد{[1947]} ،والفاء في قوله:{فنذر} للعطف على مقدر دل عليه الكلام .والتقدير: فنتركهم ونمهلهم ؛أي ولا نعجل الشر للمشركين ولا يقضي إليهم أجلهم بالهلكة والإفناء ،ولكن نتركهم حائرين في إجرامهم وعصيانهم بعد أن نفيض عليهم بالنعمة فتلزمهم الحجة ويبوءوا بالخسران وسوء المصير{[1948]} .