القول في تأويل قوله تعالى:وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره:ولو يعجل الله للناس إجابةَ دعائهم في الشرّ ، وذلك فيما عليهم مضرّة في نفس أو مال ، (استعجالهم بالخير) ، يقول:كاستعجاله لهم في الخير بالإجابة إذا دعوه به ، (لقضي إليهم أجلهم)، يقول:لهلكوا ، وعُجِّل لهم الموت، وهو الأجل. (21)
* * *
وعني بقوله:(لقضي) ، لفرغ إليهم من أجلهم ، (22) ونُبذ إليهم، (23) كما قال أبو ذؤيب:
وَعَلَيْهِمَــا مَسْــرُودَتَانِ قَضَاهُمَــا
دَاوُدُ , أَوْ صَنَــعُ السَّــوَابِغِ تُبَّــعُ (24)
* * *
، (فنذر الذين لا يرجون لقاءنا)، يقول:
فندع الذين لا يخافون عقابنا ، ولا يوقنون بالبعث ولا بالنشور، (25)، (في طغيانهم) ، يقول:في تمرّدهم وعتوّهم، (26) (يعمهون) يعني:يترددون. (27)
وإنما أخبر جل ثناؤه عن هؤلاء الكفرة بالبعث بما أخبر به عنهم ، من طغيانهم وترددهم فيه عند تعجيله إجابة دعائهم في الشرّ لو استجاب لهم ، أن ذلك كان يدعوهم إلى التقرُّب إلى الوثن الذي يشرك به أحدهم، أو يضيف ذلك إلى أنه من فعله.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
17572- حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله:(ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) ، قال:قولُ الإنسان إذا غضب لولده وماله:"لا باركَ الله فيه ولعنه "!
17573- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) ، قال:قولُ الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه:"اللهم لا تبارك فيه والعنه "! فلو يعجّل الله الاستجابة لهم في ذلك، كما يستجاب في الخير لأهلكهم.
17574- حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله:(ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) ، قال:قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليه:"اللهم لا تبارك فيه والعنه "، (لقضي إليهم أجلهم) قال:لأهلك من دعا عليه ولأماته.
17575- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله:(ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) ، قال:قول الرجل لولده إذا غضب عليه أو ماله:"اللهم لا تبارك فيه والعنه "! قال الله:(لقضي إليهم أجلهم) ، قال:لأهلك من دعا عليه ولأماته. قال:(فنذر الذين لا يرجون لقاءنا) ، قال يقول:لا نهلك أهل الشرك، ولكن نذرهم في طغيانهم يعمهون.
17576- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قوله:(ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير) ، قال:هو دعاء الرجل على نفسه وماله بما يكره أن يستجاب له.
17577- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:(لقضي إليهم أجلهم) ، قال:لأهلكناهم. وقرأ:مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ، [سورة فاطر:45] . قال:يهلكهم كلهم.
* * *
ونصب قوله:(استعجالهم) ، بوقوع (يعجل) عليه، كقول القائل:"قمت اليوم قيامَك "بمعنى:قمت كقيامك، وليس بمصدّرٍ من (يعجل)، لأنه لو كان مصدّرًا لم يحسن دخول "الكاف "،أعني كاف التشبيه،فيه. (28)
* * *
واختلفت القراء في قراءة قوله:(لقضي إليهم أجلهم) .
فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والعراق:( لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ )، على وجه ما لم يسمَّ فاعله ، بضم القاف من "قضي"، ورفع "الأجل ".
* * *
وقرأ عامة أهل الشأم:( لَقَضَى إِلَيْهِمْ أَجَلَهُمْ ) ، بمعنى:لقضى الله إليهم أجلهم.
* * *
قال أبو جعفر:وهما قراءتان متفقتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أني أقرؤه على وجه ما لم يسمَّ فاعله، لأن عليه أكثر القراء.
---------------------
الهوامش:
(21) انظر تفسير "الأجل "فيما سلف 13:290 ، تعليق:6 ، والمراجع هناك .
(22) انظر تفسير "قضى "فيما سلف 13:290 ، تعليق:6 ، والمراجع هناك .
(23) في المطبوعة:"وتبدى لهم "، غير ما في المخطوطة إذ لم يحسن قراءته .
(24) سلف البيت وتخريجه وشرحه 2:542 .
(25) انظر تفسير "يذر "فيما سلف من فهارس اللغة ( وذر ) .
،وتفسير "الرجاء "فيما سلف ص:26 ، تعليق:3 ، والمراجع هناك .
(26) انظر تفسير "الطغيان "فيما سلف 13:291 ، تعليق:2 ، والمراجع هناك .
(27) انظر تفسير "العمه "فيما سلف 13:291 ، تعليق:2 ، والمراجع هناك .
(28) انظر معاني القرآن للفراء 1:458 .