قوله: ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) ( ثم ) أداة عطف لجملة وليست للترتيب .والخطاب بذلك لقريش- وهم الحُمُس- من اجل أن يقفوا بعرفة ويفيضوا منه كغيرهم من الناس .فقد كان الناس جميعهم يقفون بعرفة ليفيضوا منه إلى المزدلفة إلا قريشا ،فكما كانوا يفيضون من عرفة مع الناس ،بل كانوا يقفون بالمزدلفة ويفيضون منها ويقولون: نحن أهل الله في بلدته وقطان بيته ،وقد ظلوا كذلك حتى أمرهم الله بالإفاضة من حيث أفاض الناس ،وليس في استنكافهم عن الإفاضة من عرفات كبقية الفائضين إلا الغرور والتعصب الذي لا يستند إلى دليل من الشرع أو المعقول .
وقيل: بل إن المقصود بالإفاضة في هذه الآية هي الإفاضة من مزدلفة إلى منى لرمي الجمار ،والمراد بالناس هو إبراهيم الخليل عليه السلام ،وبذلك فإن المخاطب هذه الأمة كلها وليست قريشا وحدها .وعلى هذا المعنى: أفيضوا مثلما أفاض أبوكم إبراهيم عليه السلام فقد أفاض من مزدلفة إلى منى .
والراجح من القولين الأول ؛وذلك لما رواه مسلم في صحيحه عن السيدة عائشة قالت: كان الحُمس هم الذين أنزل الله فيهم ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس ) قالت: كان الناس يفيضون من عرفات وكان الحمس يفيضون من المزدلفة يقولون: لا نفيض إلا من الحرم ،فلما نزلت ( أفيضوا من حيث أفاض الناس ) رجعوا إلى عرفات .
وقوله: ( واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ) يأمر الله عباده بالاستغفار عقيب كل عبادة ومنها الإفاضة فإذا اندفع الحاج من مزدلفة استغفر ربه وأناب إليه وتوجه إليه بالدعاء .والله جلت قدرته يحب التوابين والمستغفرين ويستجيب للخاشعين المخبتين الذين يدعونه وهم موقنون بالإجابة{[280]} .