قوله تعالى:{ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} .
لم يبيّن هنا المكان المأمور بالإفاضة منه المعبر عنه بلفظة حَيْثُ ،التي هي كلمة تدل على المكان ،كما تدل حين على الزمان .
ولكنه يبيّن ذلك بقوله:{فَإِذَا أَفَضْتُم مّنْ عَرَفَاتٍ} الآية .وسبب نزولها أن قريشًا كانوا يقفون يوم عرفة بالمزدلفة ،ويقولون: نحن قطان بيت اللَّه ،ولا ينبغي لنا أن نخرج من الحرم ؛لأن عرفات خارج عن الحرم وعامة الناس يقفون بعرفات ،فأمر اللَّه النبيّ صلى الله عليه وسلم ،والمسلمين ،أن يفيضوا من حيث أفاض الناس ،وهو عرفات ،لا من المزدلفة كفعل قريش .
وهذا هو مذهب جماهير العلماء ،وحكى ابن جرير عليه الإجماع ،وعليه فلفظة ثم للترتيب الذكري بمعنى عطف جملة على جملة ،وترتيبها عليها في مطلق الذكر ،ونظيره قوله تعالى:{فَكُّ رَقَبَةٍ 13 أَوْ إِطْعَامٌ في يَوْمٍ ذي مَسْغَبَةٍ 14 يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ 15 أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ 16 ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْمَرْحَمَةِ 17} .
وقول الشاعر:
إن من ساد ثم ساد أبوه *** ثم قد ساد قبل ذلك جده
وقال بعض العلماء: المراد بقوله:{ثُمَّ أَفِيضُواْ} الآية .أي: من مزدلفة إلى منى ،وعليه فالمراد بالناس إبراهيم .
قال ابن جرير في هذا القول: ولولا إجماع الحجة على خلافه لكان هو الأرجح .