قوله:{ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل} أي أقاموا أحكامهما وحدودهما وآمنوا بما اشتملا عليه من تبشير بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم .
قوله:{وما أنزل إليهم من ربهم} أي القرآن .وقيل: سائر كتب الله ،فهم مكلفون بالإيمان بجميعها .
قوله:{لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} لما أصر اليهود على تكذيب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أصابهم القحط والجدب والشدة فعانوا بذلك قسوة الفقر والمضانكة .فالله يبين لهم أنهم لو استجابوا لداعي الحق وتحرروا من إسار الشذوذ واللؤم والعناد لوسع الله عليهم في الرزق ،ولأفاض عليهم من بركات السماء والأرض فعاشوا في النعماء والبحبوحة .هذا مقتضى قوله:{لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} وتأويل ذلك يحتمل عدة وجوه هي:
الأول: أن المراد من ذلك المبالغة في ذكر السعة والخصب .وليس المراد أن هناك فوقا وتحتا كالذي عليه ظاهر العبارة أي لأكلوا أكلا دائما ومنعما وغير منقطع لكثرته .
الثاني: إن الأكل من فوق يراد به نزول المطر ،ولأكل من تحت الأرجل معناه خروج النبات والثمر .
الثالث: من قول الزمخشري وهو كثرة الأشجار المثمرة والزرع المغلة وأن يرزقهم الله الجنان اليانعة الثمار يجتنون ما تهدل منها من رؤوس الشجر ويلتقطون ما تساقط على الأرض من تحت أرجلهم .
قوله:{منهم أمة مقتصدة} الاقتصاد معناه الاعتدال في العمل من غير غلو ولا تقصير .وأصله القصد ،ومعناه العدل واستقامة الطريق .وهو ضد الإفراط{[1018]} والمراد بقوله:{أمة مقتصدة} أي طائفة معتدلة من اليهود غير مغالية ولا مفرطة .فهي على الحق والاعتدال ،ومجانبة للإفراط والتفريط وهم الذين آمنوا واتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن سلام وأمثاله من اليهود الذين أسلموا ،وآخرون من النصارى آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم واتبعوا النور الذي أنزل معه كالنجاشي وأصحابه من النصارى .
وقيل: المراد بهم الكفار من أهل الكتاب الذين كانوا عدولا في دينهم وطبائعهم وسلوكهم ،إذ لم يكونوا مغالين ولا غلاظا .وما كانوا يؤذون المؤمنين بالكيد وفاحش القول .
قوله:{وكثير منهم ساء ما يعملون} أي أن كثيرا من أهل الكتاب أجلاف متعصبون وهم مبغضون لئام ،طغت عليهم الكراهية ،وملك قلوبهم الحقد فساء عملهم إذ عاثوا في البلاد إفسادا وتشويها وتحريضا على التصدي للإسلام والمسلمين .وفيه معنى التعجب أي أن كثيرا منهم ما أسوأ عملهم{[1019]} .