قوله تعالى:{وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون ( 100 ) بديع السماوات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم ( 101 ) ذلكم الله ربكم لا إله إلا هوخلق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل ( 102 ) لا تدركه الأبصر وهو يدرك الأبصر وهو اللطيف الخبير} شركاء مفعول به أول منصوب .والجن مفعول له ثان للفعل جعلوا{[1235]} كقوله:{وجعلكم ملوكا} والتقدير: وجعلوا لله الجن شركاء .
قوله:{وخلقهم} أي خلق المشركين الذين جعلوا الجن شركاء لله .وقيل: خلق الجن الشركاء أنفسهم .ومعنى إشراكهم بالجن أنهم أذعنوا لهم بالطاعة كإذعانهم لله .والمراد بهم هنا الشياطين الذين أطاعهم المشركون كما يطاع الله سبحانه أو عبدوا الأوثان لما حرضهم الشياطين على ذلك وسولوه لهم .وقيل: المراد بالجن هنا: الملائكة .إذ قالت العرب: إنهم بنات الله فعبدوهم .وقد سموا جنا على سبيل المجاز .وذلك لاجتنانهم واستتارهم عن الأعين كالجن .
قوله:{وخرقوا له بنين وبنات بغير علم} خرقوا أي كذبوا .وهو من التخريق ومعناه كثرة الكذب .والتخرق: خلق الكذب أو التخلق من الكذب .اخترق الكذب أي اختلقه{[1236]} .
وتأويل الآية أن المشركين السفهاء كذبوا على الله بجعلهم له بنين وبنات وبيان ذلك أن العرب جعلوا له بنات ،إذ قالوا: الملائكة بنات الله وقالت اليهود: عزيز ابن الله .وقالت النصارى المسيح ابن الله .وكل ذلك تخريق وتخريص وافتراء فاضح ونكر مشين .والله تعالى منزه عما وصفه به هؤلاء الخراصون من خلقه له شركاء من الجن وتخريقهم له البنين والبنات .تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .وإن ما وصفوه إن هو إلا من شأن البشر حيث التناكح والشهوات والنسب والصهرية .والله جل في علاه منزه عن مثل هاتيك الصفات المختصة بالبشر حيث الضعف والإحساس باللذة والهجوم على المنافع الدنيوية والركون للشهوات .