قوله تعالى:{وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخرون سيئا عيسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم}{آخرون} معطوف على{منافقون} وقيل: مبتدأ ،وخبره جملة{خلطوا}{[1883]} .
وهذه طائفة من المسلمين ،من ضعاف العزائم والهمم في أمر دينهم .إذ لم يكونوا منافقين تماما كالذين تخلفوا عن الجهاد تكذيبا ؛لشرع الله وشكا في الدين ورغبة عن رسول الله .ليس هؤلاء كأولئك ؛بل إن هؤلاء تخلفوا كسلا ورغبة في الدعة والاسترخاء والراحة مع إيمانهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حق .وأن ما جاءهم به لهو من عند الله وأنه حق .وهؤلاء قد أقروا بذنوبهم التي اكتسبوها وكان لهم في مقابلتها أعمال أخرى حسنة فاختلطت حسناتهم وسيئاتهم .وأمثال هؤلاء مردهم إلى رحمة الله وعفوه .
وقيل: المراد بهم أناس معينون تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الغش والنفاق ؛بل على سبيل الضعف وتعثر الهمة فقط ؛فقد تخلف هؤلاء عن الذهاب إلى تبوك ،ثم غشيتهم بعد ذلك غاشية من التوبة الصادقة والندم الأسيف حتى أوثقوا أنفسهم بسواري المسجد وكان ممر النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجع في المسجد عليهم .فلما رآهم قال: ( من هؤلاء الموثقون أنفسهم ؟) قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله وقد أقسموا أن لا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت تطلقهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وأنا أقسم بالله تعالى لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله تعالى هو الذي يطلقهم ) .فأنزل الله تعالى الآية .فأرسل عليه الصلاة والسلام إليهم فأطلقهم وعذرهم{[1884]} وفي رواية أخرى أنهم كانوا ثلاثة .وأخرى أنهم ثمانية .وهذه الآية وإن كانت في أناس معينين لكنها تعم بفحواها كل المذنبين المقصرين الذين قعدوا عن أداء الواجب كسلا وتهاونا واسترخاء ،وخلطوا أعمالا حسنة بأخرى سيئة .
قوله:{عسى الله أن يتوب عليهم} عسى من الله واجب كما قال ابن عباس .والصحيح أنها لفظة{للإطماع والإشفاق ؛فيظل المذنب على وجل من الله وهو يغمره الخوف والرجاء والأمل في عفو الله وغفرانه .
قوله:{إن الله غفور رحيم} وهذه تفيد تحقيق التوبة والمغفرة من الله ،فهو سبحانه قابل التوب ،عظيم المغفرة ،بالغ الرحمة بالعباد ،يتجاوز عن سيئات المذنبين التائبين{[1885]} .