هذه هي الطبقة الثالثة: هؤلاء من المؤمنين ليسوا منافقين ،ولا من السابقين الأولين ولكنهم من الذين خَلطوا الصالحَ من العمل بالسيء منه ،كالّذين تخلّفوا عن الخروج إلى غزوة تبوك من غير عذر صحيح ،ولم يستأذنوا كاستئذان المرتابين ،ولم يعتذِروا بالكذب كالمنافقين .
ومنهم ثلاثةٌ معرُوفون ،هم أبو لُبابة بن عبد المنذر ،وثعلبة بن وديعة ،وأَوس بن حذام ،من الأنصار ،تخلّفوا عن رسول الله في غزوة تبوك .فلما رجع من غزوته ،ندموا على ما فعلوا وأوثقوا أنفسَهم في سواري المسجد .فلما مر بهم سأل عنهم فقالوا له تخلّفوا عنك يا نبي الله ،فصنعوا بأنفسهم ما ترى ،وعاهدوا الله أن لا يُطلقوا أنفسهم حتى تطلقهم أنت فقال: وأنا لا أُطلقهم حتى أومَرَ بإطلاقهم .فأنزل الله تعالى:{وَآخَرُونَ اعترفوا بِذُنُوبِهِمْ ...الآية} .
وهذا الصنف من الناس كثير ،فالإنسانُ ضعيف والمغريات كثيرة ،والنفس أمّارة بالسوء .ونحمد الله تعالى على أن باب التوبة مفتوح دائماً ،ولذلك قال تعالى:
{عَسَى الله أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} .
فالاعتراف بالذنب والشعورُ بوطأته دليلٌ على حياة القلب ،ومن ثَمّ فإن التوبة مرجُوَّة القبول ،والمغفرة مرتقبة من الغفور الرحيم .
وقد قبل الله توبتهم ورحِمَهم ..وهذا ينطبق على كل مسلم يخطئ ثم يرجع إلى الله .بل إن هذه الفئة من الناس هي الغالبية العظمى من البشر ..يخطئون ويتوبون ،لكن الله رؤوف رحيم تواب يقبل التوبة .