مَردوا على النفاق: ثبتوا عليه ،وأتقنوا أساليبه .
ثم إنه يذكر حال الطبقة الثانية ،وهم منافقو أهلِ المدينة ومن حولَها:
{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ الأعراب مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ المدينة مَرَدُواْ عَلَى النفاق لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إلى عَذَابٍ عَظِيمٍ} .
لقد سبق الحديثُ عن المنافقين عامة ،لكن الحديث هنا عن صنف خاص منهم ،حَذَقَ النفاقَ ومَرَنَ عليه ،حتى لَيخفى أمره على رسول الله مع كل فراسته وتجربته .والله تعالى يقرر أن هذه الفئة من الناس موجودةٌ في أهل المدينة وفي الأعراب المحيطين بالمدينة ،ويُطمئن الرسولَ الكريم والمؤمنين معه ،من كيدِ هذه الفئة الماكرة ،وأنه سيتولى أمرهم ولن يدعَهُم ،بل سيعذّبهم عذاباً مضاعفا: مرتين في الدنيا ،مرةً بنصر المسلمين على أعدائهم مما يغيظ أولئك المنافقين ،ومرة بفضيحتهم وكشف نفاقهم .أما في الآخرة فسيَصْلَون عذاب جهنم وهولها الشديد .
وجملة القول أن المنافقين فريقان: فريق عُرفوا بأقوال قالوها ،وأعمال عملوها ...وهؤلاء مكشوفون معروفون ،وفريق حذَقوا النفاق حتى لا يشعر أحد بشيء يستنكره منهم .
وهذان الفريقان يوجَدان في كل عصر ،والأمة مبتلاةٌ بهم في كل قطر ،وهم يزعمون أنهم يخدمون الأمة باسم الوطنية أو اسم الدين ،ويستغلّون مناصِبهم ،ويجمعون الأموال لأنفسِهم .نسأل الله السلامة منهم .