{لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ}: لا تنظر .
{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ}: تواضع ،خفض الجناح كناية عن التواضع .
{لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ} أي ما لدى الكافرين من الزينة والمال والجاه ،فإن ذلك لا يمثّل قيمة تدعو إلى تعظيمهم وإكبارهم ،وتدفع أصحاب النفوس الضعيفة إلى الشعور بالانسحاق والانبهار أمامهم ،فإن ذلك كله عرض زائل ،لم يمتعهم الله به لرفعة منزلتهم عنده ،ولكن ليبتليهم به ،ويختبر كيفية مواجهتهم له بالشكر والانسجام مع مسؤوليتهم أمام الله .فلا تلتفت إلى ذلك ،وأعرض عنهم وعن كل ما يحيط بهم من زخارف الحياة الدنيا{وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} في ما تلقاه منهم من كفر وتمرّد وابتعاد عن الله ،لأنهم لا يستحقون ذلك ،فقد أقمت عليهم ،بما قدمته إليهم من دلائل وبراهين ،الحجة من الله ،ولكنهم تمرّدوا واستكبروا وساروا بعيداً في خط الانحراف ،ما يجعل قضيتهم قضية من يرفض الرحمة التي قدّمت إليه ،لا قضية من يستحق الرحمة لما وقع فيه .إنها قضية الاختيار السيىء الذي لا يلتقي بالخير ،فلا بد من تركه ليمتد في طريق الشر ،ويمعن في السير فيه بعيداً إلى الوادي السحيق .
{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} الذين أخلصوا لله إيمانهم ،وتحمّلوا الكثير في سبيل الوصول إليه ،وجاهدوا من أجل الثبات على إيمانهم ،وعملوا الكثير من أجل الدعوة إليه ،إن عليك أن تعطيهم الرحمة كل الرحمة ،والتواضع كل التواضع في روحك وكلماتك وأسلوبك في التعامل معهم ،حاول أن تجعلهم يسكنون إليك ،وينفتحون عليك ،فلا يشعرون بالحرج من الحديث معك ،عن كل ما يحسون به من آلامٍ وهموم وآمال ،بل يجدون عندك القلب المفتوح الذي يستقبل كل أمورهم ،ليواجهها بالرفق والانفتاح والحنان ،لتحلّ لهم ما أشكل عليهم من قضايا وتقضي لهم ما يريدونه من حاجات ،لأنهم جناحك الذي به تطير ،وقاعدتك التي تنطلق منها نحو المستقبل الذي تتحرك فيه أجيال المؤمنين ،لتحمل عبء الرسالة في الدعوة والحركة والجهاد .
وتلك هي دعوة الله لكل العاملين الذين يتسلمون مركز القيادة في الدعوة ،أو الحكم ،أو الواقع السياسي أو الاجتماعي ،ما يحقق لهم موقعاً متقدماً في السلّم الاجتماعي يدفعهم إلى الشعور بالعلوّ ،أو بالبعد عن المؤمنين المستضعفين الذين يحتلون في حركة حياتهم أسفل درجات السلّم الاجتماعي ،لافتقارهم إلى مقومات الضغط على الواقع من مال وجاه أو غير ذلك ،فليس لهم إلا إيمانهم الصادق ،وتصميمهم على السير في هداه ،بكل ما لديهم من عزمٍ وصدقٍ وإرادة .
إن الله يريد للقادة أن ينفتحوا على القاعدة الإيمانية ،باعتبار الإيمان قيمةً ترفع المؤمن إلى أعلى درجات السلّم في المجتمع الإيماني ،بعيداً عن كل اعتبارات المال والجاه ،وإلاّ كان القائد منفصلاً عن الخط ،وبعيداً عن أجواء الإيمان وأجواء الله .وهذا ما لا يريده الله للعاملين في سبيله الذين يجب أن يعطوا المؤمن كل القوّة ،لأن ذلك الموقف هو الذي يحقق لحركة الإيمان القوّة ،حيث يشعر المؤمن بالمعنى العميق لقيمة الإيمان ،وحيث يتحدى القائد امتيازات المجتمع المنحرف ،بالوقوف إلى جانب من لا يملك تلك الامتيازات من المؤمنين .