قوله تعالى:{لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ} .
لما بين تعالى أنه آتى النَّبي صلى الله عليه وسلم السبع المثاني والقرآن العظيم ،وذلك أكبر نصيب ،وأعظم حظ عند الله تعالى ،نهاه أن يمد عينيه إلى متاع الحياة الدنيا الذي متع به الكفار ؛لأن من أعطاه ربه جل وعلا النصيب الأكبر والحظ الأوفر ،لا ينبغي له أن ينظر إلى النصيب الأحقر الأخس ،ولاسيما إذا كان صاحبه إنما أعطيه لأجل الفتنة والاختبار .وأوضح هذا المعنى في غير هذا الموضع ،كقوله في ( طه ):{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ ءَانَآءِ الَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلواةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [ طه:130-132] والمراد بالأزواج هنا: الأصناف من الذين متعهم الله بالدنيا .
قوله تعالى:{وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [ 88] .
الصحيح في معنى هذه الآية الكريمة: أن الله نهى نبيه صلى الله عليه وسلم عن الحزن على الكفار إذا امتنعوا من قبول الإسلام .ويدل لذلك كثرة ورود هذا المعنى في القرآن العظيم ؛كقوله:{وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ في ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ} [ النحل:127] ،وقوله:{فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [ فاطر:8] ،وقوله:{لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [ الشعراء:3] ،وقوله:{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى ءَاثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [ الكهف:6] ،وقوله:{وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ مَّآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [ المائدة:68] إلى غير ذلك من الآيات .
والمعنى: قد بلغت وليست مسؤولاً عن شقاوتهم إذا امتنعوا من الإيمان ،فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ،فلا تحزن عليهم إذا كانوا أشقياء .
قوله تعالى:{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [ 88] .
أمر الله جل وعلا نبيه في هذه الآية الكريمة بخفض جناحه للمؤمنين .وخفض الجناح كناية عن لين الجانب والتواضع ،ومنه قول الشاعر:
وأنت الشهير بخفض الجناح ***فلا تك في رفعه أجدلا
وبين هذا المعنى في مواضع أخر ؛كقوله في الشعراء:{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [ الشعراء:215] ،وكقوله:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ في الأمْرِ} [ آل عمران:159] إلى غير ذلك من الآيات .
ويفهم من دليل خطاب الآية الكريمةأعني مفهوم مخالفتهاأن غير المؤمنين لا يخفض لهم الجناح ،بل يعاملون بالشدة والغلظة .
وقد بين تعالى هذا المفهوم في مواضع أخر .كقوله تعالى:{يا أَيُّهَا النَّبِىُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [ التوبة:73] ،وقوله:{أَشِدَّآءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ} [ الفتح:29] وقوله:{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [ المائدة: 54] كما قدمناه في المائدة .