ثُمَّ يتحدّث اللّه عن بعض نماذج أهل الكتاب المعاصرين للدعوة الإسلامية ،فمنهم «أُميُّون » لم يأخذوا من العلم بشيء ،ولا يملكون أية معرفة بالكتاب إلاَّ من خلال التمنيات التي تجعلهم يشعرون بالتفوّق على الآخرين في الدنيا والآخرة ،لأنهم «شعب اللّه المختار » من دون أية معرفةٍ يقينية ،وليس لهم من ذلك إلاَّ الظنّ الذي لا يغني من الحقّ شيئاً .
{ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ} لا يملكون المعرفة الواسعة العميقة التي تربطهم بالحقائق التي يحتويها الكتاب ،لأنهم يقفون عند المعاني الساذجة للكلمات ،ولا ينفذون إلى أعماقها{ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ} .ربَّما يُراد من كلمة الأماني التلاوة ،يُقال: تمنى كتاب اللّه أي قرأه وتلاه ،وبذلك يكون المراد بالكلمة أنهم لا يعلمونه إلاَّ ألفاظاً يتلونها من دون وعي المعاني ؛وربما يُراد منها الأحاديث المختلقة المتضمنة للتحريف .يُقال: أنت تتمنى هذا القول أي تختلقه ،فيكون المقصود أنهم لا يعلمون الكتاب إلاَّ بنحو التحريف الذي هو مجموعة من الأكاذيب التي قد تطرح كما لو كانت مدلولاً للكلمات ،وقد يقصد بها الأماني جمع أمنية وذلك على أساس أنهم يتمنون على اللّه ما ليس لهم ،كقولهم:{ لَن تَمَسَّنَا النّار إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً} ،أو{ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللّه وَأَحِبَّاؤُهُ} ، [ المائدة:18] ليكون المعنى أنهم لا يعلمونه إلاَّ بما يتفق مع تخيلاتهم وأحلامهم وأمنياتهم الخيالية التي لا واقع لها .وفي جميع الحالات فهم لا يملكون اليقين الذي يتحرّك في دائرة وضوح الرؤية الذي تسكن إليه النفس وتطمئن إليه الروح ؛{ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} ، من خلال تخرصاتهم وتخميناتهم التي لا ترتكز على أساس المعرفة اليقينية الحقّة .