أماني باطلة
(ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون( 78 ) فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ( 79 )(.
المفردات:
أميون: جمع أمي وهو الذي لا يقرأ ولا يكتب ،منسوب إلى الأم ،وإذانا بأنهفي الخلو عن العلم والكتابةكما ولدته أمه .
أماني: جمع أمنية ،وهي في الأصل ما يقدره الإنسان في نفسه مأخوذة من منى إذا قدر ،والمراد بها هنا الأكاذيب التي أخذوها عن شياطينهم المحرفين للتوراة كما قاله ابن عباس ومجاهد .
التفسير:
بعد أن بين سبحانه جنايات اليهود في ماضيهم وحاضرهم وفي جملتها تحريفهم لكتاب الله التوراة ،من بعد ما عقلوه ،عقب ذلك بذكر فريق جاهل منهم تأثر بتحريف أخبارهم وضل بإضلالهم وهم الأميون .
78- ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون: أي ومن اليهود قوم أميون لا يحسنون الكتابة ،ولا يعلمون من كتابهم التوراة سوى أكاذيب اختلقها لهم علماؤهم ،أو أمنيات باطلة يقدرونها في أنفسهم بدون حق ،أو قراءات عارية من التدبر والفهم ،وقصارى أمرهم الظن من غير أن يصلوا إلى مرتبة اليقين المبني على البرهان القاطع والدليل الساطع .
( ومن هذه الأمنيات والأكاذيب: أن آبائهم الأنبياء يشفعون لهم ،وأن الله سبحانه وتعالى يعفوا عنهم ويرحمهم ،وإن كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم ،وان الجنة لا يدخلها إلا من كان هودا ،وأن النار لا تمسهم إلا أياما معدودة ،وأنهم صفوة الإنسانية وشعب الله المختار لعمارة الأرض ،وأنهم أبناء الله وأحباؤه ،وأن لهم السيطرة على الناس ،وغير ذلك من الأماني التي عنوها فهؤلاء ضلوا ،تبعا لأضاليل أحبارهم ) ( 201 ) .
ومن قوله تعالى: وإن هم إلا يظنون زيادة تجهيل لهم ،لأن أمنياتهم هذه من باب الأوهام التي لا تستند إلى دليل أو شبه دليل ،أو من باب الظن الذي هو ركون النفس إلى وجه من وجهين يحتملهما الأمر دون أن تبلغ في ذلك مرتبة القطع واليقين ،وهذا النوع من العلم لا يكفي في معرفة أصول الدين التي يقوم عليها الإيمان العميق ،فهم ليسوا على يقين من أمور دينهم ،وإنما هم يظنون ظنا بدون استيقان ،والظن لا يغني من الحق شيئا .