{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ}بعد إنزال الكتاب{ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ} الجبل ،حتى ظللنا عليكم به في طريقة إعجازية ،وقلنا لكم في مجال دعوتكم إلى حمل المسؤولية تجاه أنفسكم وتجاه النّاس:{ خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقوّة}وقناعة ويقين وعزيمة لا ضعف فيها{ وَاسْمَعُواْ}سماع وعي في الإيمان وطاعةٍ في العمل ؛فماذا كان الجواب ؟{ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} ،لقد سمعنا كلّ ما قلت ولكنَّنا غير مستعدين للانسجام معك في واقعنا العملي ،لأننا لا نريد تغيير واقعنا وعاداتنا وأوضاعنا التي تلتقي بأطماعنا وشهواتنا ومواقعنا في الحياة ،{ وَأُشْرِبُواْ فِى قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} فلا تزال ذكريات العجل تعيش في وجدانهم وقلوبهم ،ولا يزال حبّه يجري في مشاعرهم مجرى الدم في العروق .وهنا يوحي القرآنفي أسلوبهبالمرارة والسخرية منهم في دعواهم الإيمان بما أنزل عليهم{ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُم بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}فإذا كان إيمانكم يأمركم بقتل الأنبياء وعبادة العجل وإنكار الحقّ ،فبئس هذا الاتجاه الإيماني الغريب في ما يأمر به ،ممّا يضاد معناه وحيويته ،ولكن الحقيقة هي أنكم غير مؤمنين ،لأنَّ للإيمان وحيه الطاهر الذي يملأ روح الإنسان بالخير ويحرّك طاقاته في طريق الطاعة والعبادة والحقّ والصلاح .
ثُمَّ يعود القرآن إلى فكرة «شعب اللّه المختار » التي يعيشها اليهود في داخلهم كحقيقة دينية عميقة ،فيشعرون معها بالاستكبار والعلوّ والرفعة على الآخرين ،ليناقشها مناقشة تفصيلية بعد أن كان قد أشار إليها ،في ما تقدّم ،إشارة مجملة .