{بَلَى} إن الله الخالق يؤكد القدرة على جمع عظامه لقدرته على ما هو أكبر من ذلك ...{قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} . لماذا التركيز على البنان كمظهر للقدرة ؟
وقد ذكر بعض المفسرين أن مسألة الحديث عن تسوية البنان ،كناية عن إعادة التكوين الإنساني بأدقِّ ما فيه ،وإكماله بحيث لا تضيع منه بنان ولا تختل عن مكانها ،بل تسوّى تسويةً لا ينقص معها عضو ،ولا شكل هذا العضو ،مهما صغر ودقّ[ 2] .
ولكننا نلاحظ على هذا التفسير بأن استبعاد هذا الإنسان جمع العظام سوف يستتبعه استبعاد جمع الأشياء الدقيقة في نطاق إعادة التكوين الإنساني ،فتكون الآية الثانية مجرد تأكيد للموضوع الذي ينفيه الإنسان الكافر بالآخرة من دون إضافة أيّ دليل ،لتبقى المسألة في دائرة الإِيحاء بالفكرة لا في دائرة الاستدلال عليها .
وهناك تفسير آخر وهو: «والمعنى: بلى نجمعها ،والحال أنّا قادرون على أن نصوّر بنانه على صورتها التي كانت عليها بحسب خلقنا الأول .
وتخصيص البنان بالذكرلعلهللإشارة إلى عجيب خلقها بما لها من الصور وخصوصيات التركيب والعدد ،إذ تترتب عليها فوائد جمّة لا تكاد تحصى من أنواع القبض والبسط ،والأخذ والردّ ،وسائر الحركات اللطيفة والأعمال الدقيقة والصنائع الظريفة التي يمتاز بها الإنسان من سائر الحيوان ،مضافاً إلى ما عليها من الهيئات والخطوط التي لا يزال ينكشف للإنسان منها سرٌّ بعد سرّ »[ 3] .
ولعلّ هذا أقرب إلى طبيعة الجوّ الاستدلالي في الآية ،وقد يضاف إلى أسرار الإبداع في خلق البنان ،أنها تمثل في خطوطها الدقيقة دليل الشخصية ،لأن الناس يختلفون في بصمات أصابعهم ،بحيث لا يتفق واحد في ذلك مع الآخر ،مهما اقتربت علاقاتهم النسبية ،ما يجعل من معرفة طبيعة البصمة سبيلاً لمعرفة صاحبها لاكتشاف مسؤوليته عن الجريمة ونحوها من القضايا المتصلة بمسؤولية الناس في قضاياهم العامة والخاصة .