{وَعَشِيرَتُكُمْ}: العشيرة: الجماعة .
{اقْتَرَفْتُمُوهَا}: اقتنيتموها .والاقتراف: الاكتساب .
{فَتَرَبَّصُواْ}: التربص: المكث ،والانتظار .والتربص بالشيء: أن تنتظر به يوماً ما .
مناسبة النزول
ذكر في مجمع البيان عن ابن عباس ،في ما نقله أو استوحاه من موقع الآية ،قال: لمّا أمر الله تعالى المؤمنين بالهجرة وأرادوا الهجرة ،فمنهم من تعلقت به زوجته ،ومنهم من تعلق به أبواه وأولاده ،فكانوا يمنعونهم من الهجرة ،فيتركون الهجرة لأجلهم ،فبيّن سبحانه ،أن أمر الدين مقدَّم على النسب ،لذلك وإذا وجب قطع قرابة الأبوين ،فالأجنبي أولى ..وروي أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حيث كتب إلى قريش يخبرهم بخبر النبي( ص ) لما أراد فتح مكة ،تعاطفاً مع أهله الموجودين في مكة ..
وربما كانت هذه الرواية أقرب إلى جوّ الآية من الرواية السابقة ،لأن قضية الموالاة هي قضية الموقف المتحرك لدعم موقف هؤلاء ،لا مجرد التعاطف الذي يمنعهم من التحرك ،فهي التعبير عن الجانب الإيجابي المضاد ،لا الجانب السلبي ..وقد يكون الجو فيها أشمل من ذلك ليشمل كل موقف سلبيٍّ أو إيجابيٍّ مضادٍّ للموقف الإيماني ،انطلاقاً من العاطفة التي تفرضها القرابة أو نحوها .
عصبية القرابة
{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ} الذين تربطكم بهم عاطفة القرابة{وَأَزْوَاجُكُمْ} اللواتي ترتبطون معهن بعلاقات المحبة والشهوة{وَعَشِيرَتُكُمْ} في ما توحي به من عصبيّةٍ عائليّةٍ اجتماعيةٍ ،{وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا} وذلك كناية عن المصالح المادية{وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا} في الجانب الاقتصادي المتحرك{وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ} لأنها تثير جواً حميماً يتصل بعلاقة الإنسان بالأرض وبالبيت ،وبما تعنيه له من الاستقرار والراحة{أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ} في ما تتخذونه من مواقف مضادةٍ عند الخط الفاصل بين ما يريده الله وما يريده الأقرباء ،وما تفرضه المصالح الاقتصادية{فَتَرَبَّصُواْ} وانتظروا النتائج الصعبة التي تنتظركم من جرّاء ذلك{حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} وحكمه فيكم .وربما كان في هذا الإبهام ما يوحي بالخطورة الكبيرة التي تجعل الإنسان يحسب حساب كل شيء يمكن أن يحدث ..{وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} الذين اختاروا الفسق على الإيمان ،بعد أن أقام الله عليهم الحجة القاطعة ،فتركهم الله لضلالهم الذي أرادوه لأنفسهم ،بكل قصدٍ وإصرار .