{وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ}: ولم يتعاونوا عليكم .
{مُدَّتِهِمْ}: المدة والزمان والحين نظائر .وأصله من مددت الشيء مداً ،فكأنه زمان طويل الفسحة .
استثناء المعاهدين من البراءة
{إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ} جاء في مجمع البيان عن الفراء: استثنى الله تعالى من براءته وبراءة رسوله من المشركين قوماً من بني كنانه وبني ضمرة كان قد بقي من أجلهم تسعة أشهر أمر بإتمامها لهم لأنهم لم يظاهروا على المؤمنين ولم ينقضوا عهد رسول الله( ص ) .وقال ابن عباس ،عنى به كل من كان بينه وبين رسول الله( ص ) عهدٌ قبل براءة .ويعلّق صاحب المجمع: وينبغي أن يكون ابن عباس أراد بذلك من كان بينه وبينه عقد هدنة ولم يتعرض له بعداوةٍ ولا ظاهر عليه عدوّاً ،لأن النبي( ص ) صالح أهل هجر وأهل البحرين وأيلة ودومة الجندل وله عهودٌ بالصلح والجزية ولم ينبذ إليهم بنقض عهدٍ ولا حاربهم بعد ،وكانوا أهل ذمة إلى أن مضى لسبيله( ص ) ووفى لهم بذلك من بعده[ 1] .
الظاهر من أجواء الآيات ،أن الذين أُعلنت البراءة منهم ،هم الذين عاهدهم رسول الله( ص ) معاهدةً عامّة من دون تحديد موعدٍ معيّن ،على أساس التعايش الذي أراد من خلاله إنهاء حالة الحرب بينه وبينهم ،ليتفرّغ لترتيب المجتمع المسلم من الداخل ،وليحاول هدايتهم من موقع السلم ،في ما ينفتحون عليه من أجواء الإسلام الروحية التي تثير فيهم مشاعر الهدى والخير والإيمان ،ولكنهم لم يستريحوا لهذا العهد ،بل حاولوا الخيانة والتآمر مع الآخرين ضد الإسلام والمسلمين .أمّا الذين كانت لهم مدّة محدودة ،ممن انسجموا مع الالتزامات التي ينص عليها العهد ،واستمروا على ذلك ،فهم في أمان رسول الله ،الذي أراده الله من نبيه البقاء معهم ما دام الآخرون ملتزمين به .ولعلنا نستفيد ذلك من الفقرات التالية:{ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً} مما أعطوكم من المواثيق والعهود ،فلم ينقضوا شيئاً منها ،ولم يُخلّوا بشرطٍ أو التزامٍ ،{وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً} أي لم يتآمروا مع أحد من أعداء الإسلام فيعاونوهم عليكم ،{فَأَتِمُّواْ} إليهم{عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} التي حددتموها لهم ،أمَّا الذين لم تحدّدوا لهم مدّة ،أو الذين خانوا العهد ،فأعلنوا البراءة منهم ،لأن الله الذي بيده أمر عباده لا يريد للمعاهدة العامة أن تستمر بين المسلمين والمشركين ،لأن التعايش بينهم لا يحقق صلاحاً للإنسان وللحقيقة وللحياة ،ما يجعل من المسألة مسألة خير للناس ،في ما يريد لهم من نتائج إيجابيةٍ على مستوى الدنيا والآخرة ،{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} الذين يراقبون الله فيلتزمون بأوامره ونواهيه ،في ما يريد لهم أن يعملوه أو لا يعملوه .