/م1
ثم استثنى من هؤلاء الذين تبرأ من عهودهم ، وأمر بوعيدهم وتهديدهم ، وضرب لهم موعد الأربعة الأشهر ، من حافظوا على عهدهم بالدقة التامة والإخلاص فقال:{ إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} قال الحافظ ابن كثير:هذا استثناء من ضرب مدة التأجيل بأربعة أشهر لمن له عهد مطلق ليس بمؤقت ، فأجله أربعة أشهر يسيح في الأرض يذهب فيها لينجو بنفسه حيث شاء ، إلا من له عهد مؤقت فأجله إلى مدته المضروبة التي عوهد عليها ، وقد تقدمت الأحاديث:ومن كان له عهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعهده إلى مدته المضروبة .وذلك بشرط أن لا ينقض المعاهد عهده ، ولم يظاهر على المسلمين ، أي يمالئ عليهم من سواهم .فهذا الذي يوفى له بذمته ، وعهده إلى مدته اه .
وقال البغوي:المراد بهؤلاء الذين استثناهم الله تعالى بنو ضمرة وحي من كنانة .وقال السدي:هؤلاء بنو ضمرة وبنو مدلج حيان من بني كنانة ، كانوا حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة العسرة من بني تبيع .وقال مجاهد:كان لبني مدلج وخزاعة عهد فهو الذي قال الله:{ فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم} .وقال محمد بن عباد بن جعفر:هم بنو خزيمة بن عامر من بني بكر بن كنانة .ولكن قال ابن عباس رضي الله عنه:هم مشركو قريش الذين عاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية ، وكان قد بقي من مدتهم أربعة أشهر بعد يوم النحر ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يوفي لهم بعهدهم هذا إلى مدتهم .ذكر هذه الأقوال في الدر المنثور .والصواب أن هذا اللفظ عام ، وتعيين المراد منه بأسماء القبائل لا يتعلق به عمل بعد ذلك الزمان .
والآية تدل على أن الوفاء بالعهد من فرائض الإسلام ما دام العهد معقودا ، وعلى أن العهد المؤقت لا يجوز نقضه إلا بانتهاء وقته ، وأن شرط وجوب الوفاء به علينا محافظة العدو المعاهد لنا عليه بحذافيره ، من نص القول وفحواه ولحنه ، والمعبر عنهما في هذا العصر بروحه .فإن نقص شيئا ما من شروط العهد وأخلّ بغرض ما من أغراضه عد ناقضا له ، إذ قال:{ ثم لم ينقصوكم شيئا} ولفظ شيء أعم الألفاظ وهو نكرة في سياق النفي ، فيصدق بأدنى إخلال بالعهد .وقرئ في الشواذ ( ينقضوكم ) بالضاد المعجمة والمهملة أبلغ ، ومن الضروري أن من شروطه - التي ينتقض بالإخلال بها- عدم مظاهرة أحد من أعدائنا وخصومنا علينا ، وقد صرح بهذا للاهتمام به ، وإلا فهو يدخل في عموم ما قبله ، وذلك أن الغرض الأول من المعاهدات ترك قتال كل من الفريقين المتعاهدين للآخر وحرية التعامل بينهما ، فمظاهرة أحدهما لعدو الآخر- أي معاونته ومساعدته على قتاله وما يتعلق به- كمباشرته للقتال وغيره بنفسه ، يقال ظاهره إذا عاونه{ وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم}[ الأحزاب:26] ، وظاهره عليه إذا ساعده عليه .وتظاهروا عليهم تعاونوا .وكله من الظهر الذي يعبر به عن القوة ، ومنه بعير ظهير ، ويحتمل أن يكون من الظهور .
{ إن الله يحب المتقين} أي لنقض العهود وإخفار الذمم ، ولسائر المفاسد المخلة بالنظام ، والعدل العام .
/خ4