{قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون ( 65 ) بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون( 66 )} .
المفردات:
الغيب: كل ما غاب عنك ،وجمعه: غيوب .
وما يشعرون: وما يعلمون به ،ولا يفطنون له .
أيان: متى .
يُبعثون: يقومون من القبور للحساب والجزاء .
/م65
التفسير:
65-{قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون}
قيل: إن هذه الآية نزلت لما سأل الكفار الرسول صلى الله عليه وسلم عن وقت الساعة .
{قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ...}
اختص الله تعالى بعلم الغيب لحكمة إلهية عليا ،ولا يعلم الغيب من في السماوات من الملائكة الكرام ،وكذلك من في الأرض ومن الرسل ،ومن الجن ،ومن الخلق أجمعين .
روى الشيخان ،والترمذي ،وأحمد ،والنسائي ،وجماعة من المحدثين ،من حديث مسروق ،عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: من زعم أن محمدا يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية ،والله تعالى يقول:{قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ..}17 .
وقد يطلع الله بعض خلقه على الغيب ويظهرهم عليه ،قال تعالى:{عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا*إلا من ارتضى من رسول ..} [ الجن: 26 ،27] .
والتنبؤ بالمطر أو درجات الحرارة أو أشباه ذلك ليس من الغيب ،بل هو علم ودراسة لأسباب وأمارات ،كما يحصل من علماء الفلك من الراصدين لحركات الرياح والشمس والقمر والكواكب ،حين يخبرون بهبوب الرياح شديدة أو معتدلة ،وبكسوف الشمس ،وخسوف القمر "18 .
فهذه دراسة وعلم له أسباب تؤدي دراستها إلى المعرفة أو غلبة الظن ،وقد تقع هذه الأمور غالبا وقد تتخلف .
أما العرّاف الذي يتحدث عن المستقبل ،ادعاء بأنه على علم بالغيب ،كقوله لمن يستخبره عن مستقبله: ستكسب مبلغ كذا ،أو ستتزوج فلانة ،أو تفقد كذا في سفرك أو نحو ذلك ،فهو كافر –كما قال القرطبي- والمؤمنون منهيون عن إتيان العرافين ،فقد جاء في صحيح مسلم: ( من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة "19 .
إن الله تعالى استخلف الإنسان في هذه الأرض: ليبحث ويعمل ويتنافس ويكشف المخبوء ،ويحاول الوصول إلى معرفة أسرار هذا الكون ،وعن طريق ذلك يخترع ويبتكر ويجوّد عمله ،ويفيد نفسه والآخرين ،وقد أخفى الله علم الغيب عن الإنسان ،وعن سكان السماوات وسكان الأرض ،فقد اختص الله نفسه بعلم الغيب ،ومعرفة الساعة وهي القيامة ،ونزول المطر ،ونوع الجنين ومستقبل أمره وسعادته أو شقاوته ،ومعرفة الأرض التي يموت فيها الإنسان ،قال تعالى:{إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير} [ لقمان: 34] .
وامتدادا لاختصاص الله تعالى نفسه بعلم الغيب قال سبحانه:
{وما يشعرون أيان يبعثون}
أي: هؤلاء الكفار لا يدرون متى يكون البعث ،والحشر والجزاء ،فلا داعي لأن يكثروا من السؤال عن الساعة ،ولا داعي لأن يسألوا نبيهم من حين لآخر عن وقت نزول العذاب ،فكل ذلك مما استأثر الله تعالى بمعرفته ،قال تعالى:{ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} [ يونس: 48]