{وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد} .
المفردات:
التناوش : تناول الإيمان والتوبة .
مكان بعيد : هو الآخرة إذ أماكن الإيمان هو الدنيا .
التفسير:
في يوم القيامة ويوم البعث ومشاهدة الحساب لا يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ،وأنى وكيف يتأتى لهم تناول الإيمان تناولا سهلا من مكان بعيد عن محل القبور ؟لأن الدار الآخرة هي دار الجزاء والدنيا هي دار العمل وفي الأثر:"الدنيا عمل ولا حساب والآخرة حساب ولا عمل ".
قال الفخر الرازى:
الماضي كالأمس الدابر لا يمكن الوصول إليه والمستقبل وإن كان بينه وبين الحاضر سنون فإنه آت وفي يوم القيامة الدنيا بعيدة لمضيها وفي الدنيا يوم القيامة قريب لإتيانه .
قال تعالى:{لعل الساعة قريب} ( الشورى: 18 )
وقوله تعالى:{من مكان بعيد} والمراد: ما مضى من الدنيا . اه .
وبعبارة أخرى: كما أن رجوع الزمان الماضي من الدنيا بعيد أو مستحيل فكذلك قبول الإيمان في الآخرة بعيد أو مستحيل .
وفي الأدب العربي: أن كليبا لما قتل رغبت قبيلة القاتل في الصلح فأرسلت إلى أخيه جساس تعرض عليه الصلح نظيرا أن ينفذوا له ما يطلب فقال جساس: ( انشروا لي كليبا ) أي: طلب أمرا مستحيلا وهو إعادة كليبا حيا حتى يصطلح ومن شعر جساس:
يا لبكر اشروا كليبا*** يا لبكر أين أين الفرار
أو يكون معنى الآية: الإيمان لا يقبل إلا في الدنيا والعودة إلى الدنيا مستحيلة فأنى لهم الإيمان من مكان بعيد عن الدنيا وأنى لهم العودة إلى الدنيا .
وفي سورة المؤمنون:{ربنا أخرجنا منها فأن عدنا فإنا ظالمون* قال أخسئوا فيها ولا تكلمون} ( المؤمنون: ( 107-108 ) .