)وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) ( البقرة:53 )
التفسير:
قوله تعالى:{وإذ آتينا موسى الكتاب} أي واذكروا إذ أعطينا موسى ؛{الكتاب} أي التوراة ..
قوله تعالى:{والفرقان} إما صفة مشبهة ،أو مصدر بمعنى اسم الفاعل ؛لأن المراد ب{الفرقان} الفارق ؛والمراد به هنا الفارق بين الحق والباطل ؛وعطفه هنا من باب عطف الصفة على الموصوف ؛والعطف يقتضي المغايرة ؛والمغايرة يكتفى فيها بأدنى شيء ؛قد تكون المغايرة بين ذاتين ؛وقد تكون المغايرة بين صفتين ؛وقد تكون بين ذات وصفة ؛فمثلاً: قوله تعالى:{خلق السماوات والأرض} [ الأنعام: 1]: المغايرة بين ذاتين ؛وقوله تعالى:{سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى * والذي أخرج المرعى} [ الأعلى: 1 .4]: المغايرة بين صفتين ؛وقوله تعالى هنا:{الكتاب والفرقان}: المغايرة بين ذات وصفة ؛ف{الكتاب} نفس التوراة ؛و{الفرقان} صفته ؛فالعطف هنا من باب عطف الصفة على الموصوف ..
قوله تعالى:{لعلكم تهتدون}:"لعل "للتعليل ؛أي لعلكم تهتدون بهذا الكتاب الذي هو الفرقان ؛لأن الفرقان هدى يهتدي به المرء من الضلالة ؛و{تهتدون} أي هداية العلم ،والتوفيق ؛فهو نازل للهداية ؛ولكن من الناس من يهتدي ،ومنهم من لا يهتدي ..
الفوائد:
. 1 من فوائد الآية: أن إنزال الله تعالى الكتب للناس من نعمه ،وآلائه ؛بل هو من أكبر النعم ؛لأن الناس لا يمكن أن يستقلوا بمعرفة حق الخالق ؛بل ولا حق المخلوق ؛ولذلك نزلت الكتب تبياناً للناس ..
. 2ومنها: أن موسى صلى الله عليه وسلم نبي رسول ،لأن الله تعالى آتاه الكتاب ..
. 3ومنها: فضيلة التوراة ؛لأنه أُطلق عليها اسم{الكتاب}؛و"أل "هذه للعهد الذهني ؛فدل هذا على أنها معروفة لدى بني إسرائيل ،وأنه إذا أُطلق الكتاب عندهم فهو التوراة ؛أيضاً سماها الله تعالى الفرقان ،كما سمى القرآن الفرقان ؛لأن كلا الكتابين أعظم الكتب ،وأهداهما ؛لقوله تعالى:{قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما} [ القصص: 49] .يعني التوراة ،والإنجيل .{أتبعه إن كنتم صادقين} [ القصص: 49]؛ودل هذا على أن التوراة مشاركة للقرآن في كونها فرقاناً ؛ولهذا كانت عمدة الأنبياء من بني إسرائيل ،كما قال تعالى:{إنا أنزلنا التوراة فيها هدًى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء} [ المائدة: 44] ..
. 4ومن فوائد الآية: بيان عتوّ بني إسرائيل ،وطغيانهم ؛لأنه إذا كانت التوراة التي نزلت عليهم فرقاناً ،ثم هم يكفرون هذا الكفر دلّ على زيادة عتوهم ،وطغيانهم ؛إذ من نُزِّل عليه كتاب يكون فرقاناً كان يجب عليه بمقتضى ذلك أن يكون مؤمناً مذعناً ..
. 5ومنها: أن الله .تبارك وتعالى .يُنزل الكتب ،ويجعلها فرقاناً لغاية حميدة حقاً .وهي الهداية ؛لقوله تعالى: ( لعلكم تهتدون )
. 6ومنها: أن من أراد الهداية فليطلبها من الكتب المنزلة من السماء .لا يطلبها من الأساطير ،وقصص الرهبان ،وقصص الزهاد ،والعباد ،وجعجعة المتكلمين ،والفلاسفة ،وما أشبه ذلك ؛بل من الكتب المنَزلة من السماء ..
فعلى هذا ما يوجد في كتب الوعظ من القصص عن بعض الزهاد ،والعباد ،ونحوهم نقول لكاتبيها ،وقارئيها: خير لكم أن تبدو للناس كتاب الله عزّ وجلّ ،وما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم وتبسطوا ذلك ،وتشرحوه ،وتفسروه بما ينبغي أن يفهم حتى يكون ذلك نافعاً للخلق ؛لأنه لا طريق للهداية إلى الله إلا ما جاء من عند الله عزّ وجلّ ..
. 7ومن فوائد الآية: إثبات الأسباب ،وتأثيرها في مسبَّباتها ؛وبسط ذلك مذكور في كتب العقائد ..
. 8ومنها: أن الإيتاء المضاف إلى الله سبحانه وتعالى يكون كونياً ،ويكون شرعياً ؛مثال الكوني قوله تعالى:{وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة} [ القصص: 76]؛ومثال الشرعي قوله تعالى:{وآتينا موسى الكتاب} ( الإسراء: 2 )