قوله تعالى:{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ 53} .
الظاهر في معناه: أن الفرقان هو الكتاب الذي أوتيه موسى ،وإنما عطف على نفسه ؛تنزيلاً لتغاير الصفات منزلة تغاير الذوات ؛لأن ذلك الكتاب الذي هو التوراة موصوف بأمرين:
أحدهما: أنه مكتوب كتبه اللَّه لنبيه موسى عليه ،وعلى نبيّنا الصلاة والسلام .
والثاني: أنه فرقان ،أي فارق بين الحق والباطل ،فعطف الفرقان على الكتاب ،مع أنه هو نفسه نظرًا لتغاير الصفتين ،كقول الشاعر:
إلى الملك القرم وابن الهمام *** وليث الكتيبة في المزدحم
بل ربما عطفت العرب الشيء على نفسه مع اختلاف اللفظ فقط ،فاكتفوا بالمغايرة في اللفظ .كقول الشاعر:
إني لأعظم في صدر الكميِّ على *** ما كان فيّ من التجدير والقصر
والقصر هو التجدير بعينه .وقول الآخر:
وقددت الأديم لراهشيه *** وألفى قولها كذبًا ومينًا
والمين هو الكذب بعينه .وقول الآخر:
ألا حبذا هند وأرض بها هند *** وهند أتى من دونها النأْي والبعد
والبعد هو النأي بعينه .وقول عنترة في معلّقته:
حييت من طلل تقادم عهده *** أقوى وأقفر بعد أم الهيثم
والإقفار هو الإقواء بعينه .والدليل من القرآن على أن الفرقان هو ما أوتيه موسى .
قوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ} الآية .